بسبب التشابك فى القضايا الإقليمية تلتبس الأمور لدى البعض، فينخرطون فى تحليلات لمجرد أن يظهروا أنهم يتابعون ويفهمون فى كل التخصصات. ومن دون الربط بين التفاصيل المختلفة واتجاهاتها، والنظر لخرائط الصراع والمنافسة على المصالح يصعب الحكم على ما يجرى إقليميا ودوليا أو استنتاج اتجاهات التحالف والتنسيق، ثم إن التعامل مع كل قضية إقليمية أو تحد للأمن القومى بمعزل عن باقى القضايا يحجب الرؤية، والحكم الفرعى لا يكفى دون ربطه بباقى القضايا.
مصر كدولة وإدارة لا تتحرك فى قضية دون أخرى، ولا تعمل بعض الوقت، لكن مواجهة التحولات الإقليمية والدولية، فضلا عن مراقبة مواقف الدول والتكتلات الكبرى المصالح والمطامع تتم فى نفس الوقت، خارجيا وداخليا بنفس الدرجة. ويفترض لمن يريد النظر إلى سياسات مصر الإقليمية والدولية مع الرئيس عبد الفتاح السيسى يكتشف حجم الجهد من الخارجية والأجهزة المعلوماتية، ودور القوات المسلحة وتطور شكل ومضمون القوة الاستراتيجية المصرية، فى وقت يتم فيسه العمل داخليا بسرعة وكفاءة فى ملفات متعددة.
هناك تحولات وصراعات تمتد إلى سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، وحولها أيضا، ومصر تنظر إلى مصالحها فى مياه النيل، وتسعى لضمان عدم التضرر من المشروعات التنموية الإثيوبية، وتحمى حدودها الغربية مع ليبيا، وتحرص على دعم خيارات ومصالح الشعب الليبى فى مواجهة ميليشيات تحارب بالوكالة وأطماع لدول مختلفة فى ثروات الشعب الليبى، هناك مصالح لأوروبا إيطاليا وفرنسا وروسيا ومطامع تركية ظاهرة، تمثل تهديدا للأمن القومى.
هناك مصالح لكل طرف من الأطراف الإقليمية والدولية تحكم تحركاته بينما النفوذ والتأثير يحكمه مدى امتلاك أدوات التأثير من حيث القوة والمفاتيح والأوراق التى يمتلكها، يكفى أن يتأمل أى مراقب خريطة الإقليم والمنطقة ليعرف حجم الجهد المطلوب للعمل وسط محيط ملتهب، وأطماع لا تخفى على أحد، وهى أمور لا يكفى معها التعامل بخفة وسطحية، أو بناء على بوستات أو تويتات، أو فيديوهات.
وسط هذا التشابك، من الصعب الاكتفاء ببعض بوستات فيس بوك، أو تحليلات متعجلة حتى لو كانت تأخذ شكلا جادا، مع أهمية تخطى المعلومات المضللة التى يتم دسها باحترافية وسط ركام التزاحم.
ولا أحد يطالب جنرالات فيس بوك بالتوقف عن إنتاج تحليلاتهم العميقة، فقط على هؤلاء أن يمنحوا أنفسهم بعض الوقت لتفهم ما يجرى، حتى لا يتحولوا من دون قصد إلى أدوات تشكيك وإرباك، خاصة أن هناك أغلبية تصاب بالقلق كثيرا من جراء هذا البث العشوائى.
فقط على هؤلاء أن يتأملوا تحليلات وتوقعات سابقة لعمقاء فيس بوك حول سد النهضة وليبيا أو حتى الاقتصاد، فسيكتشفوا أنها كانت مجرد كلمات فارغة، وأن الخلاف وارد فى تفاصيل القضايا الداخلية وبرامج العمل، لكن القضايا المتعلقة بالأمن القومى أو القضايا الاقليمية هناك حد أدنى من النقاط المشتركة.
ومن واقع النتائج فقد حققت السياسة المصرية نقاطا للأمام، وتأثيرا واضحا ينسف الكثير من الدعايات المسبقة التى كانت تتبنى وجهات نظر الخصوم، بل والاعداء، هناك بث طوال 24 ساعة من الجزيرة والقنوات التركية يتضمن كميات هائلة من الأكاذيب، ومحللون يفتون فى كل القضايا بنفس الكلمات تقريبا، وإذا كان الوارد أن يقتنع بعض أعضاء تنظيمات الإرهاب بهذا، يفترض أن يعمل الآخرون عقولهم لتفهم ما يجرى، مع الاعتراف بتراجع دور الإعلام المحلى فى تبيين هذه النقاط بشكل واضح، ومن خلال مختصين وليس من خلال الدفاع.
وهناك دور بالفعل للإعلام المحلى، فى شرح القضايا من خلال مختصين، فالعلاقة بين مصر ودول العالم وتكتلاته تخضع للمصالح، ونفس الأمر فيما يتعلق بالنظر إلى مواقف روسيا أو الولايات المتحدة أو أوروبا، فهى أيضا محكومة بالندية ومدى امتلاك كل طرف للأوراق والمفاتيح، هذه الأطراف كلها لها مصالح، قد تتوازى أو تتقاطع مع مصالحنا، وهى نقاط تنتبه لها الدولة المصرية.