● ● ●
لم أكن يوما كاتبا صحفيا.. ولا أريد أن أكون، كما أن براعتى فى الكتابة - لا ولن - ترقى إلى أقل عظماء هذه المهنة، ولكنى أكتب مقالاتى لغيرتى وعشقى لمهنتى، وقد قمت بكتابة مقالاتى الأخيرة عن النقد والنقاد
لعاملين مهمين:
أولا: أن يعلم القراء ومحبو الفنون وعلى رأسهم الفن السابع أصل ومعنى وتاريخ النقد والنقاد وأثرهم فى الإنسان وتشكيل الحضارات.
ثانيا: «لتحريض» من هم مازالوا يمتهنون هذه المهنة «السامية»- النقد الفنى- وضلوا الطريق أو فقدوا الأمل!
وكذلك للأجيال الحالية والآتية منهم.. لأشحذ هممهم.. بل واستفزهم.. وأحرضهم أيضا على الأخذ بدورهم فى إثراء حضارة مستقبلنا القادم
مستقبلنا الذى بدأ مع ثورتنا الغالية.
أحثهم على المشاركة فى بناء مصر الجديدة.. أحثهم لتفجير طاقاتهم لنهضة ثقافية وفنية.
تقفز بنا إلى عوالم أخرى..
نسابق فيها العالم ونسبقه
ونسترد ريادتنا.. المنهوبة.. والمهملة!
ولكن قبل أن أشرع فى شرح وجهة نظرى الخاصة فى النقد والنقاد، وللأسف هو واقع أليم.. يتعمد فيه الجميع غض البصر عن حقيقته الفاسدة.. وأعلم أنها قد تغضب الكثيرين منى.. ولذا.. فأنا أؤكد أن ذلك ليس على الإطلاق مقصدى..فأنا لا أبحث عن الحرب الصحفية مع أحد
ولكنى وبكل حب وبكل تقدير للنقد والنقاد.
ومن خلال تجربتى التى تزيد على الـ30 عاما فى هذا المجال مخرجا ومنتجا وموزعا.. ومشاركا فى أهم وأكبر المهرجانات العالمية على مدار أكثر من 10 سنوات وأسواقها التجارية... أتحدث واسمحوا لى أولا أن أستعير جزءا من مقال الأستاذ «عصام زكريا» بتاريخ الجمعة، 2 ديسمبر 2016 وتحت عنوان «أبحاث حال النقد السينمائى».
تلك السطور المهمة والشارحة بقوة فى دراسة تحليلية من أروع وأبسط
ما قرأت.. وهى بالنسبة لى مقالا جامعا وافيا يلخص وبإيجاز ثاقب لكل مقالاتى السابقة عن النقد والنقاد.. وحتى أنهى هذه السلسلة من المقالات لعلى أكون مفيدا على قدر ما اجتهدت من قراءاتى واستعاراتى لمقالات ودراسات مصرية وعربية وإنجليزية... وفى ظل مساحة المقال المحدودة..
فكما تابعت وبحثت..
فإن هذا التاريخ لن تكفيه مقالات العالم لتغطى جزءا صغيرا منه!
● ● ●
«بدء النقد السينمائى مع نشأة فن السينما فى بداية القرن العشرين
ظهر «النقد السينمائى» على يد رواد السينما الأوائل
مثل «ايزنشتين وجريرسون»،
تمثلت غايته الأولى فى الإجابة على سؤال:
هل السينما فن؟
وما هى طبيعة هذا الفن؟
ثم انتقل هذا النقد إلى السؤال الثانى عن: هل هذا العمل أو ذاك فيلم جيد أم سيئ، ولماذا؟
ومع انتشار السينما وسحبها البساط من تحت أقدام سائر الفنون الجماهيرية الأخرى ظهرت «الصحافة السينمائية» المتخصصة كما أصبح من الطبيعى أن تخصص كل صحيفة مساحات ثابتة ومتحركة للكتابة عن السينما، ومعظم الصحف باتت تعتمد على صحفى «متخصص» فى الشؤون السينمائية أشبه بمحرر الرياضة أو الحوادث.
ومنذ ذلك الحين أصبح هناك لبس وخلط متعمد غالبا بين عدة مهن لا يربطها سوى أنها تقوم على «الكتابة عن الأفلام أولها: «مهنة الناقد «الأكاديمي»، بحكم عمله كسينمائى أو مدرس للسينما أو باحث متخصص فى التعريف بماهية السينما ومعاييرها الجمالية.
وهذا النوع منه الناقد «النظرى» الذى يبحث طبيعة وجماليات الوسيط بشكل عام، والناقد التطبيقى الذى يطبق نظرية أو طريقة تحليل ما على فيلم بعينه، أو مجموعة أفلام.
وثانيها: مهنة كاتب المراجعات النقدية المتخصص فى مشاهدة الأفلام الحديثة المعروضة للجمهور، وإبداء رأيه فيها بشكل مختصر.
وثالثها: المؤرخ السينمائى المهتم بالمعلومات حول الأفلام، وليس تقييمها أو تحليلها.
ورابعها: «المخبر الصحفى» المكلف بجمع أخبار السينمائيين
والأفلام، والذى يكتسب بمرور الوقت خبرة تمكنه من تقييم الأفلام وإبداء رأيه فيها.
وخامسها: الناقد الهاوى، الذى يكتب بشكل غير منتظم عن بعض الأفلام التى يشاهدها، ومن هؤلاء صحفيون وأدباء ومفكرون وأساتذة علم تاريخ أو اجتماع أو فلسفة، وأيضا أطباء علم نفس أو أمراض تناسلية بل وسياسيون ولاعبو كرة قدم.
وهذا النوع من النقاد لا يوجد له مثيل فى أنواع النقد الأخرى فى مجالات الشعر أو الرواية أو الموسيقى أو الفن التشكيلى.. ذلك أن السينما بحكم جماهيريتها ولغتها المباشرة البسيطة وقدرة معظم الناس على استساغتها والاستمتاع بها، هى أكثر إغراء بمناقشتها وتقييمها وإبداء الرأى فيها عن علم أو غير علم.
ومع اكتمال نمو الفن السينمائى، ظهر نوعان أساسيان من النقد السينمائى، الأول: ينظر إلى الفيلم كمنتج جماعى تتحكم فى تحديد معناه ومستواه عدة أطراف على رأسها شركة الإنتاج، ثم مؤلف السيناريو والممثلون النجوم والمخرج.. إلخ.
والثانى ينظر إلى الفيلم كعمل إبداعى فردى للمخرج، أو ما يعرف بنظرية المؤلف.
● ● ●
كان عام 1954 فاصلا فى تاريخ النقد السينمائى، فهو العام الذى قام فيه الناقد الفرنسى فرانسوا تروفو وزملاؤه فى مجلة «كاييه دى سينما»
باختراع تعبير «نظرية المؤلف» «film auteur، أو auteur theory»،
حين اعتبروا أن المخرج من بين كل فريق العاملين فى السينما، هو القوة المحركة وراء إنتاج المعنى فى الفيلم. وحتى لو كان المنتج هو القوة المحركة وراء انتاج الفيلم نفسه، فإن من يعطى للفيلم معناه ونوع التأثير الذى يحدثه هو المخرج.
والآن بعد أكثر من ستين عاما على نظرية «المؤلف» وظهور عشرات،
وربما مئات من المخرجين المؤلفين، ممن نطلق عليهم «المخرج الكبير»، عالميا ومحليا، فإن الحقيقة الدامغة هى أن النسبة الغالبة الهائلة من المنتجات السينمائية فى العالم تتحكم فيها قوى أخرى مثل المنتج الفنى، الموزع، الرأى العام والمزاج العام السائد».
● ● ●
وأعود لرأيى الشخصى هنا، ومن خلال تجربتى العملية.. بل والعالمية..أتكلم وفى ملحوظات سريعة توصلت إلى الآتى:
كيف يمكن لناقد فنى ترسله مؤسسة صحفية حكومية كانت أو خاصة إلى المهرجانات العالمية وبشكل دورى.. وهو لا يعرف اللغة الإنجليزية!
وإن كان يعرف اللغة بنسبة ضئيلة..
وبشكل عملى آخر.. كيف سيشرح عناصر الصورة وعيناه طوال الوقت على الترجمة!
والعجيب أنه يرسل نقده للأفلام فى رسالة يومية.. وبشكل منتظم!
● ● ●
وهل يكفى الناقد خلال العرض الأول لفيلم تم اختياره من لجنة متخصصه فى مهرجان عالمى مشاهدة واحدة .. فقط .. وهو لا يعرف اللغة الإنجليزية.. أن ينقد الفيلم!
ومابالك لو كان الفيلم باللغة الألمانية ومترجما باللغة الفرنسية!!
● ● ●
لكل ناقد أو صحفى ترسلة مؤسسته الصحفية إلى مهرجان عالمى يتم إعطاؤه بطاقة ممغنطة عليها صورته وبياناته كتصريح لدخوله للأفلام..وعند دخول هذا الناقد أو الصحفى يتم أخذ بيانات بطاقته إلكترونيا.. لمعرفه مدى تفاعله مع المهرجان وعدد مرات مشاهداته للأفلام..
ولذا وبكل حب، أطالب هذه المؤسسات الصحفية أن تطالب إدارة تلك المهرجان بإرسال كشفا بعدد مرات دخول صحافييهم الأفلام!