فرق كبير بين أن تنتقد بعض سياسات الحكومة، أو أن تعترض على نظامها الأساسى، أو أن تتظاهر ضدها منددا بتصرفاتها، أو أن تهاجمها بكل ما أوتيت من قوة، وأن تسعى من خلال كلماتك وبياناتك وتصرفات لهدم شىء اسمه «مصر».
اسمها مصر، وليس «قبيلة مصر»، فكثيرون من أبناء «الثورة» أبدوا اندهاشهم، حينما هاجمت المحامى «خالد على» المرشح السابق لرئاسة الجمهورية عقب كلماته التى وصفتها فى مقال أمس بـ«المسمومة» التى قالها فى حضور الرئيس الفرنسى، مهاجما التوجه الفرنسى نحو مصر، ومحاولا إرهاب الرئيس الفرنسى بالقول: إن بلاده دعمت النظام المصرى بالاستثمارات والسلاح، فى حين أنها تتجاهل ملف حقوق الإنسان، وبالطبع لا يقصد خالد على هنا ملف حقوق الإنسان، وإنما يقصد ملف «منظمات حقوق الإنسان»، لأنه لو كان معنيا حقا بحقوق الإنسان لعلم أن الإنسان المصرى الآن يعيش فى حالة متردية اقتصاديا جراء ارتفاع الأسعار، وانهيار سعر الجنيه وارتفاع سعر العملات الأجنبية، وهو الشىء الخارج عن إرادة الحكومة تماما، لأنه ناتج من نقص عائدات السياحة بشكل كبير، خاصة بعد تدمير الطائرة الروسية، فأصبح المعروض من العملة الصعبة أقل بكثير من المطلوب، وهذا الأمر غير ناتج عن «إهمال حقوق الإنسان».
للأسف روح القبيلة تسيطر على الجميع، ولعله من المحزن أن نرى تسترا على الإفساد السياسى من جانب أبناء «الثورة»، فى حين أن الثورة نفسها جاءت من أجل القضاء على الإفساد السياسى، وللأسف فقد بدا واضح أن الجميع يتعاملون بمبدأ «العصبية الجاهلية»، فلا أحد يهتم بالصواب والخطأ بشكل مجرد، ولا أحد يحكم ضميره الوطنى بشكل عاقل، فإذا أصاب المصيب أشادوا به، وإذا أخطأ المخطئ وجهوا له اللوم، لكنهم للأسف يتعاملون بما يشبه «الطائفية السياسية» فإن أخطأ الصديق تستروا عليه، وإذا أصاب الخصم تجاهلوه أو حتى الصواب إلى خطأ، وهو الأمر الذى من شأنه أن يغيب قيمة العدل، وينفى مبدأ الشفافية، ويدمر روح المساواة.
يقولون، «لماذا هاجمت خالد على وهو يخوض الآن معركة فى نفس الصف الذى تقف فيه؟» فى إشارة إلى معركة الدفاع عن جزيرتى «تيران وصنافير» المصريتين، وهو سؤال استنكارى بالطبع، لكنى فى الحقيقة أرى أن مهاجمة تلك الروح الخبيثة فى حديث خالد على واجب على قبل أن يكون واجبا على غيرى، فقد عشنا زمنا طويلا من الكذب والنفاق الأيدولوجى، إذا أخطأ من يتفق معنا تركناه، وإذا أخطأ خصمنا أقمنا عليه الحد، فى تجل وقح لكل المعانى الاستبدادية، وفى غياب مخجل لبوصلة الوطنية، فدعم اقتصاد مصر واجب على كل مصرى، وتدعيم جيش مصر فريضة على كل من يتنفس هذا الهواء، وما جزاء من يسعى لشل السوق المصرية، وإضعاف القوات المسلحة المصرية سوى التنكيل والاحتقار، وهكذا ينقى كل طرف نفسه، وهكذا نسهم فى بناء وطننا، شاء من شاء وأبى من أبى، ولهذا فإنى أعتبر الهجوم على توجهى هذا محض «ضريبة تافهة»، لمعنى أن تكون مستقلا.