عندما يعزم الصحفى أو الناقد الفنى لحفل الافتتاح أو الختام فى المهرجان أو ندوات المناقشة مع فريق الفيلم بعد عرضه.. أو الندوات البحثية فى شؤون صناعة السينما واقتصادياتها مثلا.. وهذا الناقد لا يعرف اللغة الإنجليزية!
والغريب أن بعضهم يكتب تغطيات عن الحوارات التى جرت بها!!
لماذا يهتم الصحفيون والنقاد بالأفلام والنجوم والسجادة الحمراء.. ولا يكتبون أى تقرير أو بحث عن أسواق الأقلام داخل المهرجانات والتى هى فى نفس أهمية المهرجان!
هذا سريعًا فيما يتعلق بالمهرجانات يقاس الناقد الصحفى بعدة أشياء أهم من براعته فى التشريح والتحليل أو السخرية، فالناقد فى العالم المتحضر له امصداقيةب بجماهيرية كبيرة، والتى يوازيها عدد الكلمات المسموح له بكتابتها.. فكلما زادت مصداقيته زاد عدد كلماته.. وكلما كسرت مصداقيته قل عدد كلماته!
ومصداقية الناقد تعنى أن ما يكتبه حرفا.. يجده القارئ والمشاهد للفيلم حقيقة على الشاشة.. فلا توجهات شخصية أو آراء مسبقة لدى الناقد.
سألت ارئيس ستوديو كانالبذ وقتهاذ افريدرك سيشلرب فى باريس عن مدى قدرة الشركات المنتجة فى التحكم الإعلامى لنقد فيلم جديد لهم.. بما أن للنقاد تأثيرا قويا على شباك التذاكر هناك، فابتسم.. وقد فهم قصدى سريعا.. وقال لى فى هدوء: هنا لا نستطيع شراء أصوات النقاد.. وإلا كسرنا مصداقيتهم لدى المشاهدين.
وتلك مصيبه كبرى لو حدث ذلك، فلو كسرت مصداقية الناقد، وكتب مقالا نقديا عن فيلمنا.. كان بمثابة دعاية سيئة للفيلم! ومن ثم يفضل أن تظل مصداقية الناقد كما هى ولا تمس أبدا..
فسألته: وماذا تفعلون إذن؟
ماذا لو كان رأى النقاد سيئا وفى غير مصلحة الفيلم؟
فأجابنى بنفس الهدوء.. وبثقه العارف: نقوم بعمل عرض خاص للصحفيين والنقاد.. بمفردهم دون جمهور ونعمل على اختيار عدة نقاد وصحفيين من تيارات مختلفة ومتضاربة حتى لا يجتمع معظمهم على رأى واحد..
ولذا سيقوم كل منهم بالكتابة عن الجزء الذى يبرع فيه بصدق.. ودون إجماع واحد لهم.. على رأى متطابق حتى يتم عرض الفيلم!
ومن آرائهم نستطيع دراسة شكل وتفاصيل خطتنا الدعائية لمعرفة مناطق قوة الفيلم وضعفه، للتأكيد على الجيد مما رأه أو لإيجاد حلول مونتاجية أو دعائية لما رأوه سيئا..
وأضاف صديقى الفرنسى: نحن أيضا لدينا منسق صحفى أو إعلامى امعلنب ومعروف لدى كل الجهات الصحفية والإعلامية- مثل كل شركات الإنتاجذ بل ونجوم صناعة السينما من ممثلين ومخرجين وكتاب..
وهو الذى يقوم بحجز أغلفة الصحف والبرامج الإذاعية والتليفزيونية للقاءات والحديث عن الفيلم كشكل دعائى مدفوع الأجر.. كما نرسل عن طريقه كل أخبار الفيلم منذ اللحظة الأولى حتى بعد العرض.. فى خطة إعلامية منظمة ومخططة ومتفق عليها.
كانت تلك الملحوظات السريعة والقليلة لإضفاء الضوء على نقطة خطيرة، بل هى الأخطر أن تأثير الناقد ليس على شباك التذاكر فقط.. كما أكدت جميع الآراء والدراسات! وإنما تأثير الناقد هو الأبشع.. على عقول وإيمان المشاهدين من عقائد ومثل اجتماعية ودينية، مما يؤثر سلبا على اضطراب هويتهم.. ويهدد مستقبل حضاراتهم! من خلال معلومة يصيغها عن جهل أو عن فساد ومصلحة شخصية أيا كانت!
فإن إيمان القارئ بما يعرف بسيكولوجية الإيمان بالمطبوعات كبير ومدمر!
وقد شرحت كل ما سبق لسببين مهمين الأول: هو أن نعرف النظام الإعلامى للفيلم فى الدول المتحضرة.
وثانيا: حتى نعرف الفارق الكبير بين االناقدب وبين االمنسق الإعلامىب
ولنا هنا وقفه أخرى..
وأطرح عليكم السؤال المحير الذى نحياه فى عالمنا الحالى والعجيب: هل يمكن أن ينقد االمنسق الصحفىب فيلما؟!
بالقطع وقولا واحدا.. لا يمكن ...
وببساطة لأن ذلك يسمى اتضاربا للمصالحب
فكيف نطالب أن يكون الناقد منزها بمصداقيته، ونجعل المنسق الصحفىذ مدفوع الأجر- أن يقوم بنقد فيلم لشركة اهو موظف بهاب أو نجم هو االمنسق الصحفى لهب؟!!
وهذا للأسف ما يحدث يا سادة فى عالمنا العربى الآن! والغريب أن المنسق الصحفى هو شخصية اشبه خفيةب واغير معلنة للعامةب!
وذلك لعدة أسباب.. الأولى أنه يعمل ناقدا سينميائيا أو صحفيا سينمائيا خبريا، وهو موظف فى إحدى المؤسسات الصحفية!
فيفضل عدم الإعلان جهرا عن ذلك حتى لا يقع فى محظور الاتهام بانحيازه أو عمله خارج المؤسسة.. إضافة إلى تهربه الضريبيى!
وثانيهما هو أنه لا يكتفى بالعمل كمنسق صحفى لشركة واحدة بعينها أو نجما واحدا بعينه.. فقط، وإنما هو يعمل من أجل مجموعة شركات أو نجوم فى نفس الوقت!!
أو مجموعة شركات ونجوم!!
كانت تلك بعض من ملحوظاتى وفى عجالة.
وأعود وأوجه سؤالى هذه المرة للسادة القراء الأعزاء:
هل ممكن أن يذكر لى أحد منكم خلال العقدين الماضيين ما هو المقال السينمائى أو عن أى مجال من مجالات الفنون أحدث تغييرا فى حياته..أحدث تغييرا فى نظريات الفن.. أحدث تفاعلا فكريا جارفا.. حرك الماء الراكد فى صناعة الفنون وحركتها.. قام باكتشاف نظرية فنية جديدة؟!
عقدان كاملان وربما أكثر اللهم إلا تجارب لم تر الضوء الإعلامى..
تجارب مصيرها كان كمصير الحبر على الورق.. فإحدى أهم كوارثنا أيضا أننا نعانى من عدم وجود ثورة فى حركة الترجمة أو الطباعة.. و.... وذاك موضوع يطووول شرحه هو الآخر!
ولكن
وللحظة قارن تلك النوعية من المقالات أمام خبر إدمان فنان.. أو طلاق الفنانة.. أو القبض على الفنان...!!
وأعود مرة أخرى لمصداقية الناقد ..
إن معظم النقاد الذين أثروا الحياة الفنية وأثروا فيها ويذكرهم التاريخ حتى الآن كان لهم عامل مهم وقوى لمصداقيتهم، وهو أن براعتهم لم تكن فى تشريح وتحليل الأفلام ونقدها وإنما فى الدراسات والبحوث النقدية والتاريخية فى المجال السينمائى، والتى غيرت أو ألقت الضوء، بل وكشفت عن علوم ونظريات جديدة فى الفن السابع.
ومن ثم كانت كتبهم وكتاباتهم ودراساتهم موضع الاهتمام.. موضع الاحترام موضع المصداقية.
وسؤالى: كم منكم قام بذلك؟!
أعلم أنه القليل..
ولكن هل ما قدمة القليل ممن عشقوا هذا الفن وأفنوا حياتهم فيه؟
كانت قوتهم تصل لدرجة النهضة فى الفنون والثقافة!
ياسادة نحن نريد تيارا جارفا من الحركات والمدارس النقدية.
يا سادة، نحن نريد أن نسترد عقولنا وأنتم مفاتيحها.
ياسادة، نحن نريد.. الثورة فى عالم الفنون والثقافة.
وهنا
انتهى حديثى
ولكن يظل دائما فى عشق الفنون والثقافة أحاديث باقية.