النتيجة المدوية التى حققها المرشح الشاب بيت بوتجيج، فى الجولة التمهيدية للحزب الديمقراطى بالولايات المتحدة، عبر تصدره السباق بولاية "أيوا"، على حساب مرشحين مخضرمين، لديهم من الخبرات السابقة ما يؤهلهم، لخوض السباق الرئاسي المحتدم أمام الرئيس دونالد ترامب، خلال الانتخابات المقبلة، والمقررة في نوفمبر المقبل، وعلى رأسهم جو بايدن، والذى شغل منصب نائب الرئيس الأمريكى فى الإدارة السابقة، وبيرنى ساندرز، والذى يعد وجها اشتراكيا جديدا داخل الحزب، يمثل محاولة صريحة من قبل أنصار الحزب للانسلاخ، ليس فقط على القيادات التقليدية، عبر تقديم وجه شاب ليس ملوثا بالسياسة، وإنما للخروج تدريجيا عن أسوار المبادئ التي شيدها الحزب منذ عقود طويلة من الزمن، في محاولة لتحقيق قدر من التجديد، الذى لا يقتصر على الوجوه الحاكمة، وإنما يمتد إلى الرؤى.
ولعل بوتجيج، من وجهة نظر مؤيديه، يمثل طريقا وسطا بين رؤية بايدن التقليدية من جانب، وتوجهات ساندرز، التي يصفها البعض بـ"الثورية"، في إطار الحاجة إلى إحداث تغيير حقيقى داخل أروقة الحزب الديمقراطى، وبالتالي فيمكن أن يكون المرشح الشاب بداية الطريق لتحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التغيير التدريجى"، بعيدا عن "ثورة" ساندرز، التي ربما تمثل تهديدا في المستقبل، إذا لم تكن محسوبة.
صعود المرشح الشاب، ذو الميول المثلية، يقدم معادلة ديمقراطية جديدة، لرأب الصدع بين الشباب المتمرد الذى يدعم ساندرز على مستوى الداخل الحزبى من جانب، بينما يقدم، على الجانب الأمريكي الجمعى، طوق النجاة للمتضررين من توجهات ترامب ذات الصبغة "المسيحية"، والتي تناهض الإجهاض والمثلية الجنيسة، في إطار ترويج الإدارة الحالية لنفسها باعتبارها "المدافع" عن الجذور المسيحية لأمريكا، وهو ما يبدو في القاعدة العريضة للرئيس الأمريكي بين المسيحيين، خاصة من الطائفة الإنجيلية، والذين دائما ما يحرصون على تقديم الدعم له في العديد من المواقف السياسية، وخلافاته المتواترة مع خصومه السياسيين.
إلا أن التساؤل الذى يطرح نفسه في هذا الإطار يدور حول ما إذا كانت معادلة الحزب الديمقراطى سوف تؤتى ثمارها، أم أن التحديات الراهنة تبدو أكبر بكثير من مجرد وجه جديد، يحمل ميولا مختلفة، لحشد فئات المجتمع وراءه.
المعادلة الديمقراطية ربما ليست جديدة، حيث سبق وأن استخدمها الحزب مرات عدة في الانتخابات الأخيرة، حيث نجحت بكفاءة كبيرة، عندما قدم الشاب باراك أوباما، ذو الأصول الأفريقية، لمغازلة الأقليات، ليصبح أول رئيس أمريكى من ذوى البشرة السمراء، بينما فشل في انتهاج نفس الخطة عندما قدم هيلارى كلينتون، لتكون أول امرأة تعتلى عرش البيت الأبيض في الانتخابات الأخيرة في 2016، عندما أطاح بها المرشح "المغمور" آنذاك دونالد ترامب.
وهنا يقوم رهان الديمقراطيين في انتخابات 2020، على تقديم أول رئيس "مثلى" للولايات المتحدة، لمجابهة الرئيس ترامب، في المرحلة الراهنة، في انعكاس صريح للفئات التي يغازلونهم في الانتخابات المقبلة، والذين يرفضون توجهات الإدارة الحالية والتي تقوم على التضييق عليهم، عبر شعارات دينية، تحمل في طياتها العديد من الأبعاد السياسية.