الصحفيون أكثر الفئات تفاعلا مع رنات الموبايل وإشعارات الرسائل على الواتس آب والبريد الإلكترونى، وكواحد من هذه الجماعة وصلتنى رسالة فى الصباح الباكر، كان عبارة عن إعلان من إحدى الشركات العقارية الكبرى التي تطرح مشروعا جديدا في منطقة الشيخ زايد وتبدأ في تسويقه للجمهور بنظام الكومباوند، الحقيقة أثار الإعلان فضولى وتابعت الدخول لأتعرف على المزايا والأسعار وطبيعة العرض المعلن، وقد كانت الصدمة.
المشروع لم يبدأ بعد وما هو إلا مجموعة صور وماكيتات وخرائط وحبر على ورق، وحجز الشقق أو الفيلات قد بدأ، إلا أن الاستلام الفعلى بعد 4 سنوات، بما يعنى أنك على الأقل ستدفع أكثر من نصف ثمن الوحدة دون أن تحصل عليها، فالكل يشترى اعتمادا على "الصيت لا الغنى".
كل ما سبق قد أراه عاديا وتشترك فيه معظم الشركات العقارية، إلا أن الصدمة الحقيقية كانت عندما وصلت إلى قائمة الأسعار، التي تبدأ من 28 ألف جنيه للمتر الواحد إلى 45 ألفا فى الشقق والفيلات، لتكون الفيلا التى مساحتها حوالى 450 مترا 20 مليون جنيه مصرى، وأقل سعر فيلا ضمن القائمة المعروضة يصل إلى 14 مليون جنيه لمساحة 270 مترا، بينما تأتى الشقق السكنية بمبالغ من 4 ملايين للوحدة مساحة 145 مترا، حتى تصل في النهاية إلى 2 مليون جنيه لمساحة 75 مترا.
بمجرد قراءة هذه الأرقام أغلقت فورا بريدى الإلكترونى وتأكدت أننى لن أتمكن من شراء وحدة بمساحة 75 مترا حتى لو تم إرسال مرتبى كاملا من الشهر المقبل وحتى سن المعاش - لو كان في العمر بقية - إلى البنك، مع العلم بأن سن المعاش مازال يفصلنى عنه نحو 25 عاما، فتراجعت حقيقة عن كل أحلامى في هذه الجنة الموجودة على الأرض، ودعوت الله أن يجمعنا بها في الآخرة.
البعض سيجهز ردا ويقول هذه شركات أجنبية وتخلق فرص عمل وتدر أرباحا وأموالا لخزينة الدولة، وتقدم مشروعات بمستوى راق وعال جدا من الجودة، ولها سوابق أعمال ممتازة في السوق المصرية، ولها زبون خاص، وتقدم طفرات حقيقية نحو التطوير العقارى ومشروعات الإسكان في مصر، إلا أن الإجابة ستكون سهلة وبسيطة، وهى أنكم ستفسدون هذا القطاع وتدفعونه إلى المزيد من الركود والأزمات خلال الفترة المقبلة، والنشاط غير المسبوق الذى شهده على مدار السنوات الماضية سيتحول إلى ركود دائم وموات، خاصة أن خطط التسويق والترويج فاشلة وتقدم أسعار تصل إلى 5 أضعاف سعر التكلفة الحقيقية، وتطلب مقدمات بسيطة جدا ثم توريط فى الأقساط مع البنوك.
القطاع العقارى فى مصر ليس لديه خطة تسويق مرنة تتعامل مع معطيات السوق الحالية، التي تراجع فيها الدولار مقابل الجنيه المصرى، بمعدلات تصل إلى 20% على مدار نحو عام ونصف، ومازال يستكمل مسيرة الهبوط والتراجع، التي لا يستطيع لأحد وفقا لمعايير علمية سليمة أن يتوقع متى تتوقف، مادامت تحكمها قوى العرض والطلب، وعلى سوق العقارات أن يتفاعل مع هذه المتغيرات ويبدأ تخفيض الأسعار على الأقل بمعدل من 20 إلى 25% ، حتى تجد الفرص التسويقية المناسبة والمستهلك المستعد لاقتناص الفرصة، دون أن تقدم عروضا لن تقدم سوى المزيد من الركود والتراجع فى هذا القطاع.