لماذا تتلاعب بنا الشائعات؟.. أذا أردت أن تهزم شعبا فالأمر لا يحتاج لإعلان الحرب العسكرية وتجهيز الجيوش والخطط، لكن المطلوب منك فقط نسج شائعة ونشرها وجعلها تسيطر على ألسنة الجميع، إلى أن تتحول لحقيقة مؤكدة لدى من يسمعها أو يقرأها.
هذا هو ما يحدث مع مصر منذ فترة، فالشائعات هى السلاح الذى يتم استخدامه لتدمير الدولة المصرية، خاصة حينما يتم استخدام هذه الشائعات فى أوقات مدروسة بعناية شديدة، مثلما حدث الخميس الماضى الذى يمكن وصفه بيوم الشائعات العظيم، فقبل أربعة أيام من يوم 25 إبريل الذى تحتفل فيه مصر بالعيد الـ34 لتحرير سيناء، ويحاول بعض الشباب استخدامه أيضاً لتنظيم وقفات احتجاجية، اعتراضا على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وإعلان القاهرة ملكية السعودية لجزيرتى تيران وصنافير، استيقظت مصر على 3 أخبار كل واحد منها كفيل بتعكير صفو المصريين، وبث الضغينة فى قلوبهم على الحكومة والنظام بشكل عام.
الأخبار الثلاثة حاولت ضرب الدولة المصرية فى مقتل، علماً بأنه لا يمكن وصفها بالخبر، لأنها لا تستند لمعلومات مؤكدة، وأقصى ما يمكن قوله عنها إنها شائعات تمت صياغتها بشكل احترافى لتحقق المطلوب منها، وهو زيادة اليأس فى قلوب المصريين من أى إصلاح، وبالتالى دفعهم للخروج فى الخامس والعشرين من إبريل، لعل النتجية تكون الفوضى التى يسعى لها البعض داخل مصر وخارجها، ولا ننسى أن بيننا من أعلنها صراحة أنه يريد «رحيل النظام»، فهو يسعى للفوضى بأى طريقة حتى وإن كان بطريق الكذب والتضليل.
الشائعات الأولى كانت عبارة عن خبر منسوب لمصادر مجهلة يقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسى طلب من قيادات وزارة الداخلية عدم السماح للمتظاهرين بالخروج للشوارع يوم 25 إبريل الجارى، والتعامل مع من سيخالف ذلك بكل قوة، وتبع ذلك الشائعة الثانية أن وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار قال فى أحد اللقاءات، إنه سيواجه متظاهرى 25 إبريل بكل قوة وحسم، وأنه لن يسمح لأحد بالتظاهر.
ومن يتتبع سير الأحداث لن يجد لهذه الأخبار أو الشائعات أى أساس من الصحة، حتى خلال لقاء الرئيس مع وزير الداخلية وقيادات الشرطة انحصر الحديث على تجاوزات بعض أمناء الشرطة، وضرورة العمل على مواجهتها، حتى لا يؤثر ذلك على شكل الشرطة المصرية فى الشارع، فكيف تحول هذا الاجتماع من هدفه الذى أراه «نبيلاً» كونه يسعى لتحجيم تجاوزات رجال الشرطة تجاه المواطنين، ونحوله لمادة «رخيصة» ننهم منها شائعات هدفها إثارة المصريين، وهوما يمثل خطورة شديدة انتبهت لها رئاسة الجمهورية التى تعامل مع الموقف بحسم وسرعة أيضاً بإصدارها بيان نفت فيه كل ما قيل، وهو ما استتبعه اعتذار من الصحيفة التى نشرت هذا الخبر، ومع التوضيح الرئاسى تم محاصرة ما نسب «بدون دليل لوزير الداخلية» فى الشائعة الثانية.
محاصرة الشائعتين ربما شجع البعض للتصعيد، وهو ما ظهر فى الخبر الذى بثته وكالة رويترز ونسبته لمصادر قالت، إنها من داخل الأجهزة الأمنية المصرية، حيث نسجت الوكالة قصة من وحى خيال محررها، وقالت إن هذه المصادر أبلغت الوكالة أن الشرطة اعتقلت الباحث الإيطالى جوليو ريجينى فى أحد أقسام الشرطة وقامت بتعذيبه إلى أن مات.
ما قامت به الوكالة البريطانية ليس بجديد عليها، فهى دائما ما تختص بأخبار تقول إنها حصرية عن مصر، والغريب أنها فى كل مرة تستند لمصادر لا وجود لها، ومطلوب منا أن نصدق ما تكتبه هذه الوكالة ونسلم به باعتباره «الحق المبين».
بالتأكيد الوكالة اختارت توقيتا مهما جداً، فأعضاء بالبرلمان الإيطالى بدءوا يعيدون النظر فى نهج حكومة روما تجاه قضية ريجينى، وتحميل القاهرة مسؤولية مقتله، وتحدث عدد من النواب عن براءة الحكومة المصرية من دم ريجينى، وهو ما لا يعجب بالطبع رويترز ولا محركيها، فتوصول إلى هذه القصة الوهمية لعلها توقف أى تقدم فى ملف ريجينى يظهر الحقيقة، ويخرج مصر من دائرة الاتهامات.
وهناك كان أيضاً تعامل وزارة الداخلية والهيئة العامة للاستعلامات مهم جداً، حيث طالبا من رويترز الإفصاح عما لديها من معلومات للتعامل معها، مع حفظ حقوق مصر فى مقاضاة الوكالة على ما نشرته من أخبار «مضللة» تستهدف بالأساس أمن مصر.
ما حدث يوم الخميس مثال لما تتعرض له مصر كل يوم، لكن الجديد أن الدولة تعاملت بسرعة مع هذه الشائعات ذات الأغراض الدنيئة التى لن تتوقف أبداً مادام أن مصر تسير على الطريق الى تراه هى صحيحاً، وليس الطريق الذى يريده لها الآخرون، ولا يبقى غير شىء واحد فى النهاية، وهو أن الحسم مطلوب لمواجهة هذه الشائعات التى تستهدف مصر، فبدون الحسم يكون أمننا القومى عرضة للانتهاك اليومى من مروجى هذه الشائعات والقائمين عليها وعلى نشرها.