ظهرت أقدم منظومة أخلاقية تجرى على قواعد راسخة فى العالم، منذ أن خلق الله الأرض، كانت فى مصر، وتحديدًا فى عهد الدولة القديمة، تحت راية ما يعرف بـ«ماعت» وهى إله العدل والحق والصدق، ومكثت هذه المنظومة الأخلاقية قرونا طويلة، وهو ما ساهم فى تدشين الحضارة المصرية العظيمة، منطلقة من عصر بناة الأهرامات.
ويقول عالم الآثار والمؤرخ، جيمس هنرى برستد، المتخصص فى الآثار المصرية، والأمريكى الجنسية، فى كتابه «فجر الضمير» أن المنظومة الأخلاقية المصرية المبكرة، كان لها الأثر العميق فى العقل البشرى، وعندما اندلعت ثورة ضد الملك بيبى الثانى، آخر ملوك الأسرة السادسة، ونهاية الدولة القديمة، سادت حالة فوضى عارمة، عقودًا طويلة، أسقطت هذه المنظومة الأخلاقية.
عالم الآثار، الأمريكى الجنسية، جيمس هنرى برستد، الذى أثبت بالوثائق والأدلة التاريخية أن المصريين توصلوا إلى الضمير، ومنظومة القيم الأخلاقية قبل هبوط الرسالات السماوية بـ2000 عام، رصد ما تركه أحد ملوك إهناسيا، لابنه من وصايا فى كتاب، يُذكره فيه بالقيم الأخلاقية وسمو منزلتها، مع العلم أن ملوك إهناسيا جاءوا عقب ثورة غرقت فيها مصر، فى مستنقع الفوضى، سنوات طويلة، واندثرت فيها القيم الأخلاقية.
يقول برستد: «ولما أصبحت الأخلاق منبوذة، إثر سقوط النظام الخلقى القديم، وتدهورت الفضيلة نفسها «ماعت» حتى صارت لا تدرك إلا بشعور خلقى أكثر حساسية عن ذى قبل، عقب اندلاع ثورة، ظهر المجتمع الفاسد الأخلاق بشكل لا أمل فى إصلاحه فى نظر بعض فلاسفة الاجتماع الذين هالهم ما رأوه، من تداعى وانهيار النظام الخلقى القديم، ثم ظهر على أثر ذلك ولأول مرة فى التاريخ عصر التشاؤم وزوال الوهم، فإن رسل الاجتماع فى ذلك الوقت رسموا لنا صورة بشعة عما كان موجودا من الفساد والفوضى».
العجيب، وكما يرصد المؤرخ والأثرى، جيمس هنرى برستد، أن حكماء ذلك الزمن، وعقب يأسهم وإحباطهم من حالة الفوضى العارمة، وانهيار المنظومة الأخلاقية، بشروا بقدوم المخلص، وهو الاعتقاد بمجىء حاكم قوى عادل، يكون فاتحة عصر ذهبى لإقامة العدالة بين البشر.
الحقيقة، العالم الأمريكى سرد فى كتابه أسباب انهيار المنظومة الأخلاقية، عقب الثورة ضد الملك بيبى الثانى، وانهيار مصر فى مستنقع الفوضى، وكأنه يسرد نفس الأحداث التى تمخضت عن اندلاع ثورة 25 يناير 2011 مع الوضع فى الاعتبار أن «برستد» توفى سنة 1935 أى قبل اندلاع ثورة 25 يناير بـ 76 سنة.
وما نعيشه الآن، وطول السنوات التسع الماضية التى أعقبت 25 يناير، انهيار تام للمنظومة الأخلاقية، واستباحة للحق والعدل والصدق، فشاهدوا ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى، ستكتشفون أنها بالوعات صرف صحى أغرقت البلاد، ولوثت العباد، شكلا ومضمونا، لا فرق بين نجم، وشخصية عامة، وبين مواطن بسيط، الجميع وقع فى المحظور.
سباق مريع فى تدشين السفالة والانحطاط، دشنه فى البداية اتحاد ملاك يناير، وسار على نهجه، فنانون ورياضيون وشخصيات عامة ومواطنون عاديين، فى السوشيال ميديا، وفى الشارع، استمعوا لأغانى المهرجانات، وما تحويه من كوارث أخلاقية، وشاهدوا أفلام البلطجة والدعارة والمخدرات، واستمعوا لهتافات روابط الأندية فى المدرجات، وشاهدوا سلوك سائقى سيارات الميكروباصات، والتكاتك، وماذا يفعلون فى الشوارع!!
وهل شاهدتم الأحداث التى وقعت عقب مباراة الأهلى والزمالك أمس الأول، التى أقيمت فى دولة الإمارات الشقيقة، ومدى الانهيار الأخلاقى المريع من الجميع، وكانوا أسوأ سفراء لمصر خارج البلاد..؟!
هناك انهيار أخلاقى يتزايد بشكل مرعب فى المجتمع المصرى، وصارت الشتائم البذيئة والأصوات الزاعقة، عناوين فرد العضلات وإثبات الوجود، وصارت السوشيال ميديا بالوعات مجارى، تقذف بصرفها الملوث والمميت، فى وجه العباد، مهددة بكوارث، إن لم يكن هناك تدخل جراحى سريع..!!
وللحديث بقية.. إن كان فى العمر بقية..!!