التاريخ.. والدور المفروض!
الجزء الأول
***
ولدت فكرة النقابة السينمائية فى مصر عندما بدأت كاميرات التصوير السينمائى تتعطل عن العمل!
وذلك على أثر انقطاع ورود الفيلم الخام إلى المملكة المصرية..
وبلغت الأزمة ذروتها عندما أعلنت الشركات السينمائية أسفها
لتسريح فنانيها وعمالها، لعدم استطاعة هذه الشركات مواصلة العمل، مما عطل الأيدى العاملة ورؤوس الأموال المستثمرة والإنتاج السينمائى المحلى!!
وهنا شعر جميع رواد الصناعة الأوائل خطورة المشكلة، والتى كان من شأنها
إنهاء صناعة السينما الوليدة فى بدايتها!
***
المكان
نادى السينما المصرية بشارع عدلى باشا رقم 20 بالقاهرة التاريخ
21 نوفمبر سنة 1943م الحدث التاريخى اجتمع جميع المحترفين فى صناعة السينما، وقاموا بتأليف أولى نقابتهم السينمائية، لترعى مصالحهم..
وتعلى من شأن حرفتهم وصناعتهم..
ولم ينقض عام واحد حتى دارت الكاميرات من جديد.. وكانت النقابة هى بمثابة المنقذ فى تلك اللحظات الحاسمة من التاريخ.. والتى جعلت صناعة السينما لازالت حتى هذه اللحظة مزروعة فى جينات الجسد المصرى والعربى.
وقامت الفكره ببساطة على حد قول من عاشر هذه الفترة «أن تكون لنا نقابة سنرعاها فى أيام الرخاء.. لترعانا هى فى أيام الضنك».
***
.. «فرعونية هى بالجد.. ولكنها عربية بالأب.. ثم إنها بجسمها النهرى قوة بر.. ولكنها بسواحلها قوة بحر.. وتضع بذلك قدما فى الأرض وقدما فى الماء!
وهى بجسمها النحيل تبدو مخلوقا أقل من قوى، ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأسا أكثر من ضخم!
وهى بموقعها، على خط التقسيم التاريخى بين الشرق والغرب تقع فى الأول، ولكنها تواجه الثانى، وتكاد تراه عبر المتوسط!». (جمال حمدان فى وصفه وعشقه لمصر)..
***
فكما أثبت الفراعنة أنهم أول من اكتشف مبادئ الفن السينمائى على جدران معابدهم، وأول من وضع قوانين وقواعد النقد الفنى، وأول من ألهم الرائع «والت ديزنى» بفن التحريك على جداريات معابد «بنى حسن»
أعود هنا غير مندهش على الإطلاق عندما أكتشف كذلك
أن الفراعنة هم.. أول من عرف النقابات العمالية..
بل وقدموا للعمال ما يستحقون من حقوق، ووفروا لهم حياة كريمة!
إذ عثر باحثون على دلائل تشير إلى المكانة الرفيعة التى تمتع بها العمال فى مصر قبل آلاف السنين!!
وعلى حسب المنشور فى بعض المقالات..
«أفاد الأثرى المصرى مدير مقابر وادى الملوك فى غرب الأقصر «على رضا» فى 30 إبريل لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب.أ» بأن المقابر الضخمة
فى جبانة طيبة غرب مدينة الأقصر التاريخية تشير إلى المكانة السامية التى كان يحظى بها عمال مصر القديمة..
وأضاف..
إن علماء المصريات فى مدينة «أبيدوس» قبلة الحج فى مصر القديمة،
عثروا على لوحات جنائزية لعمال المحاجر ونجارين وصناع، تدل على أن العمال فى مصر القديمة، كانوا فى «بحبوحة» من العيش، وأن قادة النقابات العمالية كانوا من أسمى الموظفين فى الدولة!
وأضاف الأثرى المصرى..
كان يطلق على الصناع والنحاتين لقب «فنان».
مشيراً إلى أن المجتمع اهتم بدور العمال فى مختلف مناحى الحياة،
وفى بناء الدولة، وكان العمال مصدر قوة الدولة.
***
ولفت إلى أن البلاط الملكى ضم العديد من فئات العمال، مثل الفنانين والكتبة والمعماريين والنجارين والخبازين والسقاة والمحاسبين والمعلمين والموسيقيين.
وأوضح أن مصر القديمة عرفت النساء العاملات منذ آلاف السنين،
وأن المرأة المصرية عملت فى الكثير من المهن والصناعات، مثل الفخار والغزل والنسيج، وغيرها، وكن صانعات بارعات.
وبحسب نصوص وردت بكتاب معجم الحضارة المصرية القديمة، والذى ألفه مجموعة من علماء المصريات الأجانب، فإنه يمكن القول إن مصر القديمة عرفت النقابات والاتحادات العمالية قبيل عام 3183!!
كما عرف عمال مصر القديمة، تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات العمالية!
قبل أن يعرفها العالم أجمع.. وذلك كما جرى بقرية «دير المدينة» فى غرب مدينة «الأقصر» سنة 1165 قبل الميلاد.. حين أضرب العمال الذين يعملون فى إقامة المقابر والمعابد عن العمل، وخرجوا فى مظاهرات أمام قصر كاتب الفرعون ووزيره، احتجاجا على بطء الإدارة فى صرف أجورهم، وقالوا للملك رمسيس الثالث «عرشك بدأ يهتز».
وقال المتظاهرون، حين وصلوا لأسوار القصر: «لقد ساقنا إلى هنا الجوع والظمأ... ليس لدينا ثياب ولا دهن ولاسمك ولا خضراوات».
وكشفت كتب المصريات أن أول تحقيق جرى مع مسؤول بالدولة
بتهمة استغلال العمال جرى فى مصر القديمة!
حيث جرت أول محاكمة لأحد النبلاء بعد اتهامه باستغلال من يعملون تحت إدارته فى أعمال خاصة!!
***
وبحسب المؤرخ والباحث المصرى «فرنسيس أمين» فإن أول مدينة للعمال فى التاريخ أقيمت فى غرب مدينة الأقصر سنة 1600 قبيل الميلاد.
وأشار إلى أن أول نقابة للعمال فى التاريخ جرى إنشاؤها بمدينة العمال فى الأقصر فى عهد الملك رمسيس الثالث، وأن تلك المدينة تعد بمثابة «منجم» من المعلومات عن العمل والعمال فى مصر القديمة.
وأضاف «فرنسيس أمين» لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب. أ» أن العمل والعمال جرى التعبير عنهما بكلمتى «كا» و«كات»، حيث كان يوصف العامل «بالأخ»، فالعامل فى مصر القديمة «أخ» لكل أفراد المجتمع.
وبحسب الأثرى المصرى «على رضا»، فإن العمال فى مصر القديمة تمتعوا بإجازة أسبوعية مدتها ثلاثة أيام، حيث كان الأسبوع لديهم «10 أيام».
كما عرفوا عطلات العمل فى الأعياد والمناسبات الدينية.
ويقول «رضا»، إن الكثير من الحقوق التى ينادى بها العمال فى كثير من بلدان العالم اليوم خلال إحيائهم لعيد العمال فى مطلع شهر مايو من كل عام، هى حقوق... عرفها.. وطالب بها... وحصل عليها
عمال مصر القديمة!!
الذين عرفوا حق تشكيل النقابات، وتنظيم الاحتجاجات العمالية قبيل آلاف السنين!