يهرول أولياء الأمور فى الساعات المبكرة من تلك الصباحات الشتوية الباردة، لتوصيل أبنائهم إلى المدارس، ويتحملون في سبيل ذلك مشقة الاستيقاظ مبكرا، وعناء تجهيز الأبناء، خاصة إن كانوا فى سن مبكرة بالسنوات الدراسية الأولى، فغالبا ما تسعى إلى تأهيل الابن أو البنت في أقل وقت ممكن، حتى تصل المدرسة قبل إغلاق الباب.
وفى مثل هذه الأحول غالبا ما تحرص الأم على إعطاء الطفل "علبة" عصير أو لبن تعويضا عن وجبة الإفطار، التى لم يأكل منها سوى لقيمات صغيرة، فيشربها خلال الطريق القصير بين البيت والمدرسة، وهذا ما حدث معى اليوم خلال اصطحاب ابنتى "رنا" التى سرعان ما انتهت من مشروبها وقدمت لى "الفارغ"، حتى أضعه فى أقرب سلة مهملات.
رحلة البحث عن سلة مهملات فى شوارع منطقة الدقى، أشبه بـ " ابرة فى كوم قش"، فعلى الرغم من التوكيلات التجارية العالمية، والمحال الفخمة والمطاعم الراقية، وفروع البنوك المنتشرة فى كل مكان، وسلاسل الهايبر ماركت، إلا أنك لن تجد سلة مهملات واحدة فى الشارع أمام كل هذه المشاهد المتعددة، وكأن الجميع يحرص على النظافة من الداخل أما الخارج فليست مسئوليتهم.
تمسكت بحلم ابنتى الصغيرة فى إلقاء "علبة العصير الفارغة" فى سلة مهملات، فقد كان من الممكن أن ألقيها على أقرب رصيف، أو على جانب الطريق، "ولا من شاف ولا من درى"، إلا أننى اخترت التجربة التى تهدينى إلى كتابة هذه الكلمات، ومعها قطعت مسافة تزيد عن كيلو متر تقريبا من بداية شارع محى الدين أبو العز فى الدقى، حتى شارع الثورة بالقرب من نادى الصيد، وفى النهاية كانت عربة جمع القمامة التابعة لهيئة النظافة هى السبيل الوحيد، بعدما فقدت الأمل فى وجود "سلة مهملات".
لا يمكن بأى حال أن نترك الأمر هكذا فيجب أن تتحرك الأحياء والمحليات لإلزام المحال التجارية والشركات والبنوك.. الخ، بضرورة وضع سلة مهملات أمام كل شركة أو محل أو بنك بحيث تكون هذه السلال مسئوليتهم ويتولون نظافتها بصورة دورية كخدمة عامة مرتبطة بالحفاظ على نظافة الشوارع وسلامة البيئة، وتحريك عربات جمع المخلفات يوميا باتجاه تلك الصناديق من أجل جمع ما فيها وعدم تركها، حتى نضمن الحفاظ على نظافة المكان ومظهره العام.
البعض سيقول لماذا لا تتولى الأحياء هذه المسئولية وتحرص بنفسها على توفير صناديق القمامة مجانا بغرض المحافظة على البيئة والحرص على نظافة الشوارع ؟! الإجابة ممكن.. بل كان أولى أن تخصص جزء من عملية التطوير للشوارع والرصف والانترلوك التى كلفت محافظة الجيزة ما يزيد عن 200 مليون جنيه، مع العلم بأن الكثير من الشوارع لم تكن فى حاجة إليه، فلو تم تخصيص 10 ملايين جنيه من هذه الميزانية الضخمة لتمويل صناديق القمامة لصار لدينا أكثر من 100 ألف سلة مجهزة تحافظ على نظافة شوارعنا، إلا أن الواقع يقول: هذه المسئولية ليست على الحى فقط، فيجب أن يكون هناك دور للمجتمع، خاصة إن كانت شركات ومؤسسات وجهات هادفة للربح.
وبحسبه بسيطة فلو أن الحى وضع صناديق قمامة جديدة فى الشوارع، ستتعرض للسرقة والتكسير وكل مظاهر الإهمال، وفى غضون شهر لا أكثر لن تجد صندوق واحد، أما إذا كان الموضوع مرتبط بالمحال والشركات والبنوك وغيرها من الأنشطة، ستحافظ كل جهة على الصندوق الخاص بها، ولن تسمح بتخريبه أو سرقته، ومن هذا المنطلق يجب إلزام هذه الجهات بوضع صناديق قمامة فى الشوارع، ويتم تعميم هذه التجربة على مستوى كل المحافظات، وتحويله إلى شرط أساسى فى الحصول على التراخيص.