انتهت رواية "بوجارت اعزف لى لحنا كلاسيكيا" للكاتبة جيلان صلاح، الصادرة عن دار نشر "ضمة" بجملة دالة هى "دقى يا مزيكا" وهى جملة تحمل معنى الخروج من حال إلى حال، وتتطلب منا بالطبع العودة لتأمل ما حدث فى الرواية منذ البداية.
ورواية "بوجارت اعزف لى لحنا كلاسيكيا" مشغولة بالحديث عن الاغتراب الذى أصاب جميع الشخصيات، وعلى رأسها البطل الأساسى "وجيه سيد دسوقي" فتاريخ "وجيه" هو تاريخ مدينة الإسكندرية بما أصابه من تحولات وتبدلات هو تلك الشخصية القادرة على الاحتفاظ بشخصيتين فى داخله، الشخصية الأولى شخصية وجيه الذكر بحياته الواضحة وبأبنائه وأحفاده وعمله ووسامته وزوجته يسرية والشخصية الثانية المتمثلة فى فريدة الكامنة فى داخله منذ صغره ويخشى أن يطلع عليها الناس.
كما نجد فى الرواية شخصية أخرى تستحق التأمل هى "مارلى" التى تذبل كل يوم معلنة عدم التوافق مع العالم المحيط وأنها لا تجد ذاتها فى شىء، وتتخيل أن مستقبلها سيكون النبذ من المجتمع.
ومن خلال (وجيه ومارلى) تقدم الرواية درجة عالية من الثقافة الحافلة بالفن والموسيقى من خلال المعلومات السينمائية والموسيقية، تلك التى لا نجد لها صدى خارج هاتين الشخصيتين مما يدل على أن كل شىء يتراجع وأن الأشياء الأصلية لن تجد لها مكانا فى هذا العالم.
الرواية كما قلت فى البداية هى قراءة لعالم الإسكندرية الذى أصابه ما أصابه من تغيرات، فالأبناء هجوا إلى بلاد الخواجات أو بلاد الخليج، وكلٌ اكتسب الثقافة التى ذهب إليها، والعالم ينقضى ويمر ووجيه الذى يفر إلى نفسه أحيانا يعرف أن كل شىء يتغير ليس له فى الحياة سوى أحفاده وابنته بسنت.
وقد حرصت جيلان صلاح أن يأتى بناؤها للرواية معتمدا على مراقبة "وجيه" للشخصيات المحيطة به، فمع كونه ينفى أنه متلصص، لكنه فى الحقيقة متلصص ليس بالمعنى السلبى للكلمة، لكنه تلصص القلق الذى يشعر بأن المستقبل فى خطر، إنه يرى ثقافة أخرى تنمو أمام عينيه ويعرف أنه ضيع عمره فى عدم الاستماع إلى قلبه وفى خوفه المتزايد.
وفى النهاية استطاعت جيلان صلاح أن تؤكد أن أجمل الروايات تلك التى ترثى المدن بطريقة غير مباشرة، تقول لك لقد تغير كل شيء ذهب من غير رجعة، تخبرك أنك لن ترى ماضيك مرة أخرى، لكنها لا تقول ذلك بشكل دعائى، بل تبحث عن دائرة صغيرة تطل منها علينا وتخبرنا بكل شىء.