لا بد لنا كمصريين الافتخار بأبطالنا فى كل ميدان، وخاصة العسكرى، حيث يشهد الأعداء قبل الأصدقاء لجيشنا المصرى الذى غرس فى جنوده عقيدة إما النصر أو الشهادة.
قدمت مصر شهداء عبر التاريخ لا يعدون ولا يحصون، فمنذ فجر التاريخ قدم أبناؤها أرواحهم فداء لها ودفاعاً عنها ضد الهكسوس، والتتار والمغول، فهى دائماً وأبداً مقبرة الغزاة ودرع حماية ليس حدودها فقط بل المنطقة بأكملها.
قدمت مصر ولا تزال خيرة شبابها ورجالها إبان الحملة الفرنسية وطيلة فترة الاحتلال الإنجليزى من أجل جلاء المستعمر، وكان المصريون فى مقدمة المدافعين عن فلسطين فى حرب 48، وخلال حرب الاستنزاف التى أعقبت النكسة وصولاً لحرب أكتوبر المجيدة التى ثأرت فيها مصر لكرامتها محطمة أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يهزم.
اليوم تحيى مصر يوم الشهيد وهى التى ما زالت تقدم أبناءها شهداء الإرهاب دفاعاً عن الإنسانية، وكلما تزايد أعداد الشهداء يزداد زملاؤهم عزماً وإصراراً على استكمال المسيرة والتخلص من هذا الإرهاب البغيض أو ينالوا الشهادة ويلحقوا بزملائهم.
يجىء يوم الشهيد الذى يوافق 9 من شهر مارس من كل عام، فى ذكرى استشهاد القائد الفذ الفريق أول عبدالمنعم رياض فى عام 1969، حينما توجه للجبهة فى اليوم الثانى لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، ولكى يكون بين أبنائه الجنود فى الميدان وبث رسالة أننا كقادة معكم فى الخندق نفسه وعلى الجبهة، لأن قواته المسلحة فى فترة جديدة تتسم بطابع قتالى عنيف ومستمر لاستنزاف العدو، وأثناء مروره على القوات فى الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب إصابة قاتلة بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران وفارق الحياة خلال نقلة إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه فى وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام ممزوجين بالحزن العميق.
إن تمثال الفريق أول عبدالمنعم رياض الذى يحتضنه ميدان التحرير ليس مجرد تمثال لقائد عسكرى فذ، بل رسالة لكل مصرى، مفادها أن أبناء مصر وجنودها من أعلى رتبة لأحدث جندى فى القوات المسلحة عقيدتهم واحدة إما النصر أو الشهادة، وليكون مناسبة لتذكر شهداء مصر الذين لم يبخلوا عليها بأرواحهم، حيث قدمت مصر ولا تزال تقدم وستقدم أبناءها فداء للوطن.
يوم الشهيد هو مناسبة للتأكيد على فكرة العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن، فالمصريون قوم لهم مع الشهادة والشهداء تاريخ طويل، ويحتفلون بها وبهم كما يحتفلون بأفراحهم وكأنهم يزفونهم للجنة التى وعدهم بها الله سبحانه وتعالى.
ولد الفريق محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله فى قرية سبرباى إحدى ضواحى مدينة طنطا محافظة الغربية فى 22 أكتوبر 1919، ونزحت أسرته من الفيوم، وكان جده عبد الله طه على الرزيقى من أعيان الفيوم، وكان والده القائم مقام - رتبة عقيد حالياً- محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية الذى تخرج على يديه الكثيرون من قادة المؤسسة العسكرية.
درس فى كُتّاب القرية وتدرج فى التعليم حتى حصوله على الثانوية العامة من مدرسة الخديو إسماعيل والتحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقاً بها وانتهى من دراسته بالكلية الحربية فى عام 1938 برتبة ملازم ثان، نال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول ثم أتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز فى إنجلترا عامى 1945 و1946 وأجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية.
فى عامى 1962 و1963 اشترك وهو برتبة لواء فى دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات حصل فى نهايتها على تقدير الامتياز، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، كما شغل من قبل منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة المصرية وعُيّن عام 1964 رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة، وفى حرب 1967 عُيّن قائداً عاماً للجبهة الأردنية.
أشرف الفريق رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969 موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفى التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر فى ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته فى أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
وفى صبيحة اليوم التالى قرر الفريق أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن قرب نتائج المعركة، ويشارك جنوده فى مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التى لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 متراً، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو فى اليوم السابق.
ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة فى حياة الفريق، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التى كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التى كان يقودها الفريق بنفسه نحو ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى دانات المدفعية بالقرب من الحفرة التى كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفى عبد المنعم رياض بعد 32 عاماً قضاها عاملاً فى الجيش متأثراً بجراحه. ويستشهد واحد من أشهر العسكريين العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين بعد أن شارك فى الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامى 1941 و1942، وشارك فى حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثى عام 1956، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف.
وقام الرئيس المصرى جمال عبد الناصر بتكريم عبد المنعم رياض بمنحه رتبة فريق أول ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، أرفع وسام عسكرى فى مصر، وتحول يوم 9 مارس إلى يوم الشهيد فى مصر.