لا نستطيع أن نخفى أن خطورة الفيروس تتجاوز نطاق الإجراءات والتأثيرات الصحية إلى مجالات أوسع، إذ يُخشى أن تتحول هذه الأزمة الصحية إلى أزمة اقتصادية عالمية لا تقل خطورة عن الأزمة المالية لعام 2008، خاصة مع إلغاء رحلات جوية عديدة من وإلى الصين، ووقف أنشطة صناعية وتجارية وسياحة، فقد كانت الصين كانت منذ 2003 مصدرا للعديد من الفيروسات وفى مقدمتها فيروس "سارس"، وقد تمكنت البلاد من مواجهة تأثيراته والقضاء عليه، لكن الفيروس الجديد جاء فى فترة حرجة من تاريخ الصين، شهدت فيها البلاد أزمات داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها، ومن ذلك الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والعقوبات والحصار الذى تعرضت لها شركة "هواوي" الصينية وحينما أدرجتها وزارة التجارة الأمريكية، على ما يسمى "القائمة السوداء"، فى يونيو الماضى والتضييق على شركة zte وأزمة مسلمى الإيجور التى كانت حديث العالم، فى نهاية أكتوبر الماضي، حينما نددت 23 بلدا فى لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية بعمليات احتجاز جماعية وجهود للحد من ممارسة الشعائر الدينية ومراقبة كثيفة وغير متكافئة لمسلمى الإيغور، فالتقدم والتطور المعلوماتى الذى يشهده العالم الآن بقدر ما ساهم فى خلق فرص للبلدان والشعوب، إلا أنه افرز جملة من التحديات السلبية والآثار العابرة للحدود ومن ذلك عولمة الأزمات والأوبئة والإرهاب والتأثيرات المالية والاقتصادية، فانتشار وباء فى بلد من البلدان يفرز حالة من الذعر فى بلدان أخرى، وكيف الحال إذا كان الوباء بالصين “مصنع العالم”، فلا يكاد يخلو منزل فى أى دولة على مستوى العالم من منتجات صنعت بالصين أو أحد مدخلاتها صنع بالصين، هذا الوضع أفاد الصين ومكنها من تحقيق نمو وازدهار اقتصادي، وجعلها تنجح فى سياساتها الاغراقية والتى امتدت لنحو أربع عقود، وتمكنت الصين من مواجهة أزمات مالية واقتصادية خطيرة، ومن ذلك الأزمة الأسيوية لعام 1979 والأزمة المالية لعام 2008 ونجحت فى تحويل المخاطر إلى فرص فهل تنجح فى مواجهة تحدى فيروس كورونا؟ أم أنها ستكون القاعدة والسبب فى اندلاع أزمة اقتصادية ومالية عالمية؟
فمن من المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلى الإجمالي الحقيقى الصينى فى الربع الأول من العام الجارى، بنحو 6 فى المئة، عن وتيرته فى الربع الأول من عام 2019، ودرجة التباطؤ فى النمو مرتبطة بالتدابير المالية والنقدية التى ستتخذها الحكومة الصينية، فمن المؤكد أن حالة الهلع واستمرار توسع الفيروس وانتشاره، ستضر بالشركات العاملة فى الصين، كما أن الإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل باقى البلدان، لها تأثير مباشر على الشركات العاملة فى الصين أو التى تعتمد على مدخلات مصدرها الصين، فالحكومة الصينية مطالبة بشكل عاجل توفير الدعم الائتماني للشركات المتضررة بشدة من الوباء ومنعها من الانهيار، خاصة وأن مديونية الشركات الصينية جد مرتفعة، كما أن اعتماد الاقتصاد الصينى على السياحة والسفر سيجعل من قطاع السياحة الصينية من بين الجهات الأكثر تضررا من الأزمة التى تضرب البلاد، فحالة الهلع الدولى من فيروس "كورونا" ستؤثر بشكل كبير على انتقال السياح من وإلى الصين، كما أن الصادرات الصينية ستتأثر سالبا من استمرار انتشار وتمدد الوباء، خاصة الصادرات ذات الصلة بالسلع الغذائية والمنتجات الزراعية، فالدول التى تستورد منتجات صينية ستشدد إجراءات المراقبة وستتخذ إجراءات احترازية مشددة بسبب المخاوف من انتقال الفيروس، وهو ما سيأثر سلبا على الأداء الاقتصادى للصين وللاقتصاد العالمي، بفعل حالة التشابك بين الاقتصادين، خاصة وأن الاقتصاد الصينى لازال لم يتعافى من حالة الانكماش وتباطؤ النمو بفعل تأثير الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وبفعل الأثار السلبية للأزمة المالية لعام 2008 وما صاحبها من ركود فى أهم الاقتصاديات العالمية، ولاشك أن تضرر الاقتصاد الصينى سيؤدى حتما إلى صدمة فى الأسواق العالمية بفعل تشابك العلاقات المالية والتجارية وسلاسل التوريد، وإذا كانت هذه الآثار غير بادية المعالم فى الوقت الراهن، لكن استمرار انتشار الوباء فى الصين وبلدان أخرى سيؤدى إلى مزيد من تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية الدولية، ولا أحد من البلدان بعيد عن تأثير الأزمة، فالعولمة بقدر ما لها إيجابيات لها سلبيات، وفى البلدان الهشة والضعيفة سياسيا واقتصاديا لا تجنى من العولمة إلا الطالح، أما الصالح فمن نصيب البلدان والحكومات القوية، ومن دون شك أن الصين واحدة من هذه البلدان القادرة على تحويل الأزمات إلى فرص.
وفى مقابل ما سبق فهناك رأى آخر يرى بأن من المحتمل أن تكون الصين قد خدعت العالم بما يسمى بفيروس كورونا وذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية، ولعل ذلك هو ما يعتقده الأمريكيون والاوروبيون بعد أن باعوا أسهمهم فى شركات تكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية بأثمان زهيدة للحكومة الصينية.. وحسب هؤلاء فإن القيادة الصينية، استخدمت "تكتيكًا" اقتصاديا جعل الكل يبتلع الطعم بسهولة، قبل أن يؤكدوا أن الصين لم تلجأ لتطبيق استراتيجية سياسية عالية "للتخلص من المستثمرين الأوروبيين، دعما لاقتصاد الصين الذى سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي بهذه الخطوة، لأنها تعلم علم اليقين، أن الأوروبيين والأمريكيين "يبحثون عن ذرائع للإيقاع بالاقتصاد الصينى وإفلاسه، فضحت ببعض المئات من مواطنيها عوضًا عن أن تضحى بشعب بأكمله، كما إن الصين نجحت من خلال هذا التكتيك فى "خداع الجميع"، حيث حصدت حوالى 20 مليار دولار أمريكى فى ظرف يومين، نجح الرئيس الصينى فى خداع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية على مرأى العالم، لعب لعبة اقتصادية ذات طابع تكتيكي، لم تخطر ببال أحد. فقبل فيروس "كورونا" كانت معظم الأسهم والحصص فى المشاريع الاستثمارية بمعامل إنتاج "التكنولوجيا والكيماويات" تعود ملكيتها للمستثمرين الأوروبيين والأمريكيين، وهذا يعنى أن اكثر من نصف الأرباح من الصناعات التكنولوجية والكيميائية الخفيفة والثقيلة، كانت تذهب إلى أياد المستثمرين الاجانب وليس إلى الخزينة الصينية، مما كان يؤدى إلى هبوط صرف العملة الصينية "اليوان"، ولم يكن باستطاعة المصرف المركزى الصينى أن يفعل شيئاً أمام السقوط المستمر لليوان، حتى انتشرت أنباء عن عدم قدرة الصين على شراء أقنعة للوقاية من انتشار الفيروس القاتل. هذه الشائعات وتصريحات الرئيس الصينى "بأنه غير مستعد لإنقاذ البلاد من الفيروس"، أدت إلى انخفاض حاد فى أسعار شراء أسهم شركات صناعة التكنولوجيا فى الصين، وقد تسابقت إمبراطوريات المستثمرين "الأجانب" فى طرح الأسهم الاستثمارية للبيع بأسعار منخفضة جداً، وبعروض مغرية، "لم يشهد لها مثيل" فى التاريخ، وانتظرت الحكومة الصينية حتى وصلت أسعار الأسهم الأجنبية إلى حدودها الدنيا "شبه المجانية"، ثم أصدرت أمراً بشرائها، واشترت أسهم الأمريكيين والأوروبيين، ولما تيقن ممولو الاستثمارات الأوروبية والأمريكية بأنهم خدعوا، كان الوقت متأخراً جداً، حيث كانت الأسهم فى يد الحكومة الصينية التى بهذه العملية قامت بتاميم اغلب الشركات الاجنبية المنتصبة على اراضيها بطريقة شبه مجانية ودون أن تتسبب فى حدوث أزمات سياسية، كما يؤكد أصحاب هذا الرأى ان "كورونا" هو فيروس "حقيقي"، لكنه ليس بالخطورة المفزعة التى تم الترويج لها عبر العالم.