من سنين كتيرة تعبت من عدها، على قولة الفنان حسين رياض فى فيلم أمير الانتقام، وأنا أتابع فى مثل هذا الوقت من كل عام أخبار ما تسمى ببعثة طرق الأبواب التى تتوجه لأمريكا بزعم شرح الأوضاع فى مصر للمسئولين الأمريكيين.. وإذابة الجليد فى العلاقات بين البلدين.. وإقناع المستثمرين الأمريكيين بضخ المزيد من الاستثمارات للسوق المصرية.. وتحظى البعثة باهتمام حكومى غير طبيعى وكأنهم رايحين يفتحوا عكا.
والغريب أن بعض وزراء المجموعة الاقتصادية يحرصون على لقاء بعض أفراد البعثة لساعات وساعات؛ وكأنهم يوصونهم بقراءة الفاتحة والدعاء قبل المغادرة إلى بيت الله الحرام.!
وما يحرق الدم أن البعثة تطرق الأبواب الأمريكية منذ عشرات السنين دون أن تظهر لها أى كرامات، أى دون أن تحقق أى نتائج ملموسة أو أى شىء يذكر على أرض الواقع.. فلا الجليد ذاب فى العلاقات المصرية الأمريكية، ولا الاستثمارات الأمريكية فى السوق المصرية زادت.. بل على العكس الوضع يزداد سوءا عاما بعد عام .
واعتقد أنهم لو "بيخبطوا" على أهل الكهف لكانوا قد استجابوا واستيقظوا من زمان من سباتهم العميق.!
ولعل هذا الوضع "الغامض" هو ما يجعلنى كمصرى غيور على بلده أتساءل وبعلو الصوت ماذا تفعل بعثة طرق الأبواب الأمريكية بالضبط.. وما هو دورها بالتحديد، ولماذا تحج سنويًا إلى البيت الأبيض فى نفس هذا الموعد دون أن تحقق أى شىء لصالح الاقتصاد المصرى أو حتى لصالح العلاقات المصرية الأمريكية؟ وهى كلها تساؤلات مشروعة حتى لو أغضبت بعض المستفيدين من "سبوبة" البعثة التى تطرق الأبواب.
ولا أخفى سرا إذا ما قلت أن هناك سيلا آخر من التساؤلات التى تتقافز فى رأسى، بل وفى رأس العديد من المصريين الذين يسمعون طحنا ولا يرون طحينا، لكننى سأكتفى بهذا القدر، لأن باقى التساؤلات صعبة جدا وستغضب الكثيرين.. وأنا مش ناقص.
عمومًا فكرة "طرق الأبواب" أوحت لى بفكرة بمليون جنيه.. وهى لماذا لا تقوم باقى منظمات الأعمال فى مصر بعمل بعثات لطرق الأبواب لكل دول إفريقيا، خاصة دول حوض النيل، لتشرح لقادتها ولمنظمات الأعمال فيها ومستثمريها أوضاع الاقتصاد المصرى وإجراءات الإصلاح السياسى والاقتصادى التى تتم على قدم وساق فى مصر، وبالمرة يروجوا للمشروعات القومية العملاقة وللسياحة.. وياريت يتفقوا على مشروعات مشتركة تقام فى بعض دول إفريقيا ذات المزايا النسبية للتصدير لباقى دول القارة، على أن يقوم بنك التنمية الإفريقى بدوره المطلوب لتمويل هذه المشروعات.
أعتقد أن مثل هذه البعثات مطلوبة خاصة فى ظل تدنى الاستثمارات وحجم التجارة البينية مع دول القارة الإفريقية، وأيضا فى ظل العلاقات السياسية المتوترة مع بعض هذه الدول، خاصة دول حوض النيل.
وفى تقديرى أن مثل هذه البعثات سيكون لها مفعول السحر لإذابة جبال الجليد مع بعض الدول الإفريقية خاصة أثيوبيا والسودان.
ويكفى أن أقول أن وفد الدبلوماسية الشعبية الذى زار أثيوبيا منذ عدة سنوات حظى باستقبال غير مسبوق، على المستويين الشعبى والرسمى، ودفع رئيس وزراء أثيوبيا السابق مليس زيناوى، الذى رحل عن دنيانا، إلى البكاء وهو يعدد فضائل مصر وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر على أثيوبيا بل وعلى إفريقيا كلها.
حدث هذا رغم أن "البضاعة" التى كان يروج لها الوفد الشعبى بضاعة معنوية عاطفية لا تتجاوز بضع كلمات رنانة من هنا أو هناك، فما بالكم إذا كانت البضاعة التى ستقدمها بعثات طرق الأبواب المقترحة بضاعة حقيقية تتضمن بيزنيس واستثمارات ومشروعات مشتركة، وفلوس وبضائع وسلع رايحة جاية وتنمية ومصالح مشتركة؟ فى تقديرى أنها ستحقق المعجزات.
ويمكن بصورة أسهل تنظيم بعثات طرق أبواب للدول العربية الشقيقة مستغلين العلاقات الأخوية المتميزة التى تربط مصر بشقيقاتها العربيات.. كما يمكن تكرار الأمر مع الدول الإسلامية الشقيقة خاصة باكستان والجمهوريات الإسلامية فى شرق أوروبا.
أعتقد أن طرق أبواب كل هذه الدول سيؤتى ثماره بسرعة وسينعكس إيجابا على علاقات مصر مع هذه الدول، وستكون له العديد من النتائج الإيجابية على مستوى الاستثمار والتجارة والاقتصاد بصفة عامة .
وكل ما أتمناه هو أن تتوافر الشفافية فى هذه البعثات حيث يعرف الشعب ما تفعله بالضبط، وما حققته من نتائج أولا بأول؛ حتى لا تتكرر تجربة بعثة "التخبيط على البيبان" الأمريكية، والتى تولى وجهها كل سنة شطر البيت الأبيض الذى أثبتت الأيام أنه لا ينفع أبدا فى اليوم الأسود!