جاء فى نتائج المؤتمر توصيف مهم وفاصل ينهى تناولًا عشوائيًّا غير مدروس للجماعات الإرهابية ولجرائمهم التى يباشرونها، وبخاصة قتل المدنيين ورجال الجيش والشرطة، ليقضى لأول مرة على هذا الاضطراب الذى يتردد فى صفحات الجرائد وعلى ألسنة المتحدثين فى وسائل الإعلام المختلفة؛ حيث بين المؤتمر أن وصفهم الشرعى المنطبق عليهم أنهم جماعات مفسدة فى الأرض محاربة لله ورسوله، وأن عقوباتهم هى أشد العقوبات التى يمكن أن يحكم بها على مجرمين؛ فأصل عقوباتهم فى كتاب الله هى عقوبة الحرابة الواردة فى قول الله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
كما وصف المؤتمر جرائم قتل رجال الجيش والشرطة والمواطنين من قبل الإرهابيين بأنها جرائم حرابة وإفساد فى الأرض، وهى المنصوص على عقوباتها فى الآية السابقة، وطالب المؤتمر الدولة وأجهزتها المختلفة باتخاذ جميع التدابير الكفيلة بدفع أذاهم وشرهم عن الناس، وأن هذا ليس مقصورًا على الجيش والشرطة وحدهم.
وهذا التوصيف الفاصل للجماعات الإرهابية ولجرائمهم من الأمور المهمة التى ينبغى نشرها لتصحيح ثقافة الناس المغلوطة فى وصفهم لهذه الجماعات، وليكون ذلك رادعًا لمن يفكر من الشباب فى الالتحاق بصفوفهم؛ حيث يصفونهم أحيانًا بأنهم خوارج العصر، وهذا وصف خاطئ لا ينطبق عليهم، ويستفيدون منه على خلاف ما يظن من يطلقه عليهم؛ فأصل الخوارج هم البغاة الذين خرجوا على سيدنا على بن أبى طالب بعد مسألة التحكيم بينه وبين سيدنا معاوية بن أبى سفيان، ومع أن جريمة البغى جريمة خطيرة نزل فيها قول الله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»، وهو ما جعل كثيرًا من الناس يطلقون عليهم لفظ البغاة أو الخوارج تنكيلًا بهم، إلا أن قتال البغاة مشروط كما بينه الفقهاء بشروط تتعلق بإضفاء الوصف عليهم، لا توجد فى الجماعات الإرهابية المعاصرة، وهى: الاستيلاء على منطقة تخصهم والسيطرة عليها، ومنع قوات الجيش والشرطة ومن ليس معهم من المواطنين من دخولها، وهو ما يعرف فقهيًّا بالتحيز، كما يشترط لوصفهم بالبغاة: امتلاكهم حجة قوية ظاهريًّا تبرر خروجهم وبغيهم، مثل المبرر الذى استند عليه الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي؛ حيث رأوا أنه خالف شرع الله حين قبل تحكيم البشر مع أن الحكم لا يكون إلا لله؛ لقوله تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ»، وقد سبق الحديث عن قضية الحاكمية، ويعرف هذا فقهيًّا بالتأويل، ثم يشترط امتلاكهم قوة يستطيعون بها مقاومة رجال الجيش والشرطة مع إعلانهم العصيان وعدم الامتثال لقوانين الدولة التى خرجوا على حاكمها، وهذه الشروط المفصلة فى كتب الفقه غالبها غير منطبق على الجماعات الإرهابية المعاصرة، وهذه الشروط تعد أعذارًا مخففة فى التعامل مع البغاة، وليس العكس.
أما عن كيفية التعامل معهم من قبل الدولة والمجتمع، فقد بينه الفقهاء استنادًا إلى النصوص وكيفية تعامل سيدنا على معهم، بأنه على مراحل أولها: التفاوض معهم ومحاولة إزالة شبهتهم التى تسببت فى بغيهم، وهو ما يعرف فقهيًّا بالوعظ، ثم التهديد باستخدام القوة، ثم إذا استخدمت القوة فيكون استخدامها بالتدرج من الأخف إلى الأشد، ولا يجوز استعمال القوة بأكثر مما يكفى لكسر شوكتهم، وليس لإهلاكهم، كما لا يجوز إتباعهم وملاحقتهم إن فروا من ساحة القتال، ولا يجوز الإجهاز على جريحهم، كما يجب تغسيل وتكفين ودفن موتاهم فى مقابر المسلمين، ولذا كان سيدنا على يقول للخارجين عليه: «لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله، ولا نبدؤكم بقتال».
ولا أظن أن من يصفون الإرهابيين بالخوارج أو البغاة يرون التعامل مع الإرهابيين بالكيفية السابقة مناسبًا لهم، ولا يجوز وصفهم بوصف وترك ما يوجبه الشرع فى كيفية التعامل معهم من خلال هذا الوصف، ولذا وجب ترك وصفهم بالبغاة والبحث عن توصيف آخر يناسبهم.
ومن الأوصاف التى يرغب البعض فى وصفهم بها، وصفهم بالكفار، ويظن من يريدون وصفهم بالكفر أنهم يشددون عليهم فى وصفهم بذلك لشدة إجرامهم، ولكن النظرة المتأنية تبين أنهم يمكنهم بإطلاق وصف الكفر عليهم الإفلات من العقاب مهما ارتكبوا من الجرائم واعترفوا بها، فما عليهم إلا أن يقولوا فى ساحة القضاء أنهم آمنوا بالله وندموا على ما فعلوا، وهنا لا يملك القاضى بحكم الشرع إلا أن يقضى ببراءتهم؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، مع أنهم قد يقولونها حيلة وليست توبة؛ حيث إن شرعنا ألزمنا بقبول التوبة والشهادة ممن نطق بها ولو كان كاذبًا، فلا قدرة لنا على معرفة ما وقر فى قلبه، وكلنا يعلم إنكار رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - على سيدنا أسامة بن زيد لما قتل رجلًا بعد أن قال «لا إله إلا الله»، حين رأى السيف يقترب من رقبته، وقول رسولنا لسيدنا أسامة حين حاول تبرير قتله بأنه قالها ليدفع القتل عن نفسه ولم يؤمن حقيقة: «هلا شققت عن قلبه؟!».
ولذا، يلزمنا إن حكمنا بكفرهم فنطقوا بالشهادتين أن نقبل منهم ولو كانوا كاذبين، ولا أعتقد أن من يكفرون هؤلاء يريدون لهم الإفلات بجرائمهم بحيلة إعلان الشهادة والتوبة، فكان وصفهم بالكفر غير مناسب أيضًا.
ومن ثم، لم يبقَ إلا وصفهم بالمحاربين لله ورسوله المفسدين فى الأرض؛ لأن المفسدين فى الأرض يجوز مداهمة أوكارهم دون إنذار، ويجوز استعمال القوة الكافية للقضاء على شرهم ولو كانت بقتلهم جميعًا، وكذلك لا يمكنهم بهذا الوصف الإفلات من العقاب إن أعلنوا توبتهم بعد القبض عليهم؛ حيث إن المفسدين فى الأرض لا تقبل توبتهم بعد القدرة عليهم؛ وذلك لقول الله تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، فتوبتهم تقبل إن أعلنوها وأبدوا ندمهم من تلقاء أنفسهم، وليس بعد وقوعهم فى قبضة الجيش أو الشرطة.
وهنا أمر فى غاية الأهمية فى هذا السياق، وهو أن كل من يقدم دعمًا للإرهابيين يمكن أن يعاقب بذات العقوبة التى يعاقب بها من نفذوا الجرائم بالفعل، كمن أجرهم مسكنًا وهو يعلم أنهم من الإرهابيين، ومن باع لهم سلاحًا، أو أخفى معلومات عمدًا حين سئل عنهم، حتى من يعد لهم الطعام ووسائل الانتقال، أو يقوم بالحراسة ممن لا يباشرون معهم الجرائم، ويسمى هؤلاء فى فقهنا بالرداء، وبالداعمين اللوجستيين فى المصطلحات العسكرية المعاصرة، فكان الوصف اللائق لهم هو الإفساد فى الأرض وحرابة الله ورسوله لا غير.
ولذا، يجب تصحيح التناول الإعلامى لهذه الجماعات الإرهابية، وتوحيد المصطلح المعبر عنهم كلما ذكرناهم، والتوقف عن وصفهم بالخوارج أو البغاة أو الكفار، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى.