فى إطار النظرة الرأسمالية لعمل القطاع الخاص وغاياته الربحية، برز مبدأ المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص فى السنوات الأخيرة، وأخذ موضعه بين المبادئ القانونية، ضمن حزمة من المفاهيم الحديثة التى تهدف إلى إضفاء الطابع الإنسانى والمعايير المجتمعية على أعمال القطاع التجارى الخاص، وجعله أكثر إسهاماً فى تنمية المجتمع، خاصة فى أوقات الأزمات، وذلك منذ أن أطلق الأمين العام للأمم المتحدة كوفى عنان مبادرته الدولية لتعزيز مبادئ المسؤولية الاجتماعية فى المؤتمر الاقتصادى العالمى بدافوس عام 1999.
ويقوم هذا المبدأ على أن يلعب القطاع الخاص دوراً أكبر فى تحقيق الأهداف المجتمعية ويشارك بصورة مستدامة فى تطوير منشآت وخدمات الصحة والتعليم، والقضاء على الفقر وتحصين البيئة، وغيرها من الموضوعات التى تتطلب تضامناً بين عطاء القطاع الحكومى ومسؤولية القطاع الخاص.
وتنشأ الحاجة الماسة إلى النظر لهذه المبادئ فى أوقات الأزمات واللحظات الحرجة التى تمر بها الأمم، والسعى إلى تبنيها باعتبارها أحد مصادر القوة التى تساعد فى تجاوز تلك المخاطر والازمات، فالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص هى جهد مستدام يهدف إلى المشاركة فى بصورة أعمق فى التنمية، ويعكس اهتمام القطاع الخاص بتأسيس البنية التحتية ودوام عملها، واتخاذ مواقف أكثر إيجابية فى التعامل مع الموضوعات الاجتماعية والتحديات التى تنشأ وقت الأزمات كازمه كورونا على سبيل المثال، توافقا مع احتياجات المجتمع، فالمسؤولية الاجتماعية تتم داخل الشركة وعلى مستوى المجتمع خارجها، وبهذا المعنى فهى ليست ضريبة بالمعنى الفنى للضرائب التى تدفعها الشركات وليست رسماً تقدمه الشركات نظير ما تحصل عليه من أرباح، وإنما التزام أخلاقى من خلال المشاركة الجادة فى تحقيق أهداف المجتمع.
ولا شك فقد أثبتت أزمة كورونا العالمية التى ضربت كافة أنحاء العالم ضرورة تعضيد التكاتف والتلاحم بين القطاع الخاص والأجهزة الحكومية، ومساهمتهما معاً لتجاوز المخاطر، فالأضرار التى تنجم عن الأزمات ما عادت تميز بين فئات المجتمع المختلفة، كما أن قطاع الأعمال هو أكثر القطاعات تضرراً وتأثراً بما ينجم من نتائج، وبالنظر للتشريعات المصرية، فلاتزال تنظر إلى المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص فى مصر إلا من خلال منظومة تقليدية من القوانين تتعلق بالعمل الطوعى والخيرى وتنظيمه، وليس مسؤولية اجتماعية حقيقية تتم المساهمة فيها على نحو يسمو لتحقيق الأهداف المطلوبة من ممارسة الواجب، فلا يوجد تنظيم لهذه المسؤولية إلا فى التشريعات التى تتعلق بالهبة والوقف وغيرها من الأعمال الطوعية التى تتم بناءً على الرغبة الذاتية وليست التزاماً قانونياً مستداماً يلزم الشركات ويضعها أمام واجب مباشر.
فعلى سبيل المثال لا يوجد تشريع موحد ينظم جهود المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص وينسقها ويرتب اتجاهات الصرف بناء عليها، ولا يعنى عدم وجود بيئة تشريعية حاضنة تحكم فكره المسئولية المجتمعية للقطاع الخاص فى مصر هو عدم إمكانية القيام بها، فيمكن أن تتم على عدة أسس تلزم بها الشركات نفسها ومن هذ الوسائل، أن تتبنى الشركة من تلقاء نفسها خطاً اجتماعياً بأن تضيف فى عقد تأسيسها أو نظامها العام المسجل نصوصاً تلزمها بالمساهمة فى برامج المسؤولية الاجتماعية.
وفى حال تسجيل عقد التأسيس والنظام العام فإنه يكون ملزماً لها بالقدر الذى وضعته وحددته لنفسها، وأن تتخذ الشركة قراراً خاصاً يلزمها بالمساهمة فى برامج محددة وفق الميزانيات التى تعتمدها. وفى حالة عدم تعارض هذا القرار مع مستندات الشركة التأسيسية فإنه أيضاً يكون ملزماً لها.
وأرى أن الطريق الأنسب لإدراج برامج المسؤولية المجتمعية للشركات فى هذه المرحلة، أن يصدر لها تشريع خاص ومنفصل، يوضح الرؤية المطلوبة ويرسم السياسة التى يمكن أن تنتهجها الدولة، وأن يتم إنشاء صندوق بموجب هذا التشريع لتشجيع وتنسيق أعمال وجهود الشركات فى المساهمة المجتمعية حتى وإن كانت سياسة الدولة أن تتركها على أساس طوعي.
فى ظل الظروف الاستثنائية التى تحيط بالعالم لمواجهة فيروس كورونا COVID-19، تظهر الحاجة الماسة إلى تكاتف جميع شرائح المجتمع من أفراد ومؤسسات من أجل حماية المجتمع، وتحقيق الاستقرار له، والمحافظة على المكتسبات التى وصل إليها المجتمع فى أوقات الرخاء. وكما قلنا فى دور الفرد ومسؤوليته تجاه نفسه والمجتمع؛ كونها تشكل اللبنة الأساسية فى تعاضد وتكامل المجتمع واستقراره. فإن دور المؤسسات والشركات من منطلق مسؤولياتها الاجتماعية الكبرى دور رئيس ومكمل للدور الذى تبذله أجهزة الدولة فى حماية.