فى الأزمات تتكشف للدول عدة حقائق تتعلق بسياساتها فى إدارة شئون الدولة داخليا وخارجيا وما إذا كانت تلك الإدارة تسير فى الطريق الصحيح وفقا لأولوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتأثيراتها فى المجتمع وعلى جموع الناس .
فى الأزمات والصراعات أيضا تستعيد الدولة القوية زمام الأمور وتعيد بسرعة فائقة ترتيب أولوياتها وإعادة تصحيح بعض أخطائها والاستناد على مواردها ووسائل قوتها حتى لا تلقى عليها الأزمة بأعبائها الثقيلة ونتائجها المرة وتصبح عاجزة عن مواجهتها.
فى الخمسينات وعقب قيام ثورة يوليو 1952 رأت القيادة الجديدة لمصر أن تستمر فى التوجه الاقتصادى السائد قبل الثورة بإتاحة وسائل الانتاج والنهوض الاقتصادى لذات القطاع الخاص أو كبار رجال الأعمال الذين سيطروا على الاقتصاد المصرى وأصدرت قانونا للاستثمار أظنه - فى مواده- واحد من أفضل قوانين الاستثمار وحماية رأس المال فى زمنه.. لكن جاءت النتيجة مخيبة للآمال والتوقعات طوال 9 سنوات قبل صدور قرارات يوليو الاشتراكية المعروفة.. فرجال الأعمال- ليس معظمهم بالتأكيد- أو ما نسميها بالرأسمالية الوطنية كانت لها مصالحها مع نظام حكم قبل يوليو وتحالف معه لإسقاط الدولة الجديدة التى وجدت نفسها مدفوعة إلى ترتيب أولوياتها والإمساك بزمام الأمور فى تلك الأزمة أو الصراع.
ومهما كانت المسميات أو التوصيفات السياسية، فالأزمات الداخلية أو العالمية قد تفرض على الدول اختيار طريق الإدارة الصحيحة وفقا لما تراه صالحا للمجتمع أو وفقا لنتائج تلك الأزمة.
والأزمة الحالية التى نمر بها فى مواجهة الحرب البيولوجية فى الحرب على فيروس كورونا سقطت أقنعة كثيرة على الفور وسيستمر السقوط. فالنظام العالمي قادم لا محالة على تغيير دراماتيكى ربما تكتب معه نهاية العولمة أو الرأسمالية بقواعدها غير الإنسانية ويجد العالم الحر نفسه أمام مسئولية تاريخية عما حدث ومازال يحدث بسبب كورونا.
وعلينا أن نعترف أن الدولة المصرية الجديدة وقيادتها بعد 30 يونيو واجهت مصاعب كثيرة وعراقيل ومعوقات أمام تحقيق حلم التنمية والنهضة الاقتصادية وبدون صدام مع التوجه المستمر منذ منتصف السبعينات وإتاحة الفرصة أمام مفرداته ورموزه، اتجهت للاعتماد على مفرداتها ومصادر قوتها ومخزون طاقتها فى العمل والإنتاج والبناء مع السير فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الصعب.
وبالفعل أثبتت التجربة صحة وسلامة التوجه فى عمومه وتعرضت مصر لأزمات كشفت عن ضرورة تواجد الدولة بمؤسساتها وهيئاتها الوطنية لحماية كيان الدولة وسلامته وصيانته.
ومع الأزمة الحالية شاهد الجميع كيف تعيد الدولة ترتيب أولوياتها وتصحيح بعض الأوضاع الخاطئة الموروثة للفئات الاجتماعية الفاعلة والتى كشفت بالفعل عن معدنها الأصيل عند الشدائد رغم مشاكلها ومطالبها التى لم تتحقق منذ أكثر من ثلاثة عقود وأعادت الأمور إلى نصابها.. الدولة الآن وبعد زوال الأزمة والمحنة تعيد ترتيب الأولويات.. بين من ضحى ومن اختبأ وابتعد.