كان الراحل محمود جبريل أحد أبرز الساسة الليبيين الذين حملوا هموم وطنهم منذ عقود للنهوض ببلاده والتخفيف عن أبناء الشعب الليبى، بعد سنوات من التهميش والمعاناة، وعمل مع فريق سيف الإسلام القذافى لكنه لم يتجاوز ضد أبناء شعبه.
وكمتابع بدقة للأوضاع الداخلية في ليبيا، رأيت أن محمود جبريل كان مؤهلا لقيادة البلاد في فترة من الفترات، للخروج بها من النفق المظلم وبناء دولة المؤسسات، إلا أن الطائرات التركية والقطرية كانت أسرع منه، وحولت الدولة الليبية إلى بيئة خصبة لاستقطاب العناصر المتطرفة والمتشددة من كل حدب وصوب.
وسجل التاريخ مواقف مشرفة لمحمود جبريل، الذى تمكن من تأسيس تحالف القوى الوطنية، وهو تيار مدنى تمكن من حصد عدد كبير من المقاعد في انتخابات مجلس النواب الليبى الأخيرة، فضلا عن دوره في محاربة التشكيلات المسلحة التي انتشرت في البلاد بعد إسقاط نظام معمر القذافى.
محمود جبريل وقف أمام أمير قطر السابق حمد بن خليفة، الذى رفض تسليم الميليشيات المسلحة في طرابلس لأسلحتها ومحاربته لأى جهود لبناء جيش وطنى ليبى موحد، وهو ما رفضه محمود جبريل بشكل كامل وهاجم الدوحة بسبب استمرار دعمها للمسلحين.
حلم محمود جبريل الذى راوده بعد أحداث 17 فبراير 2011 هو كيفية بناء دولة ليبية حديثة قائمة على مؤسسات قوية وموحدة، إلا أن التدخلات الخارجية في الشأن الداخلى الليبى أدت لتعقيد الأزمة بشكل كبير وبددت فرص الحل السياسى.
حاربت قطر جهود محمود جبريل في حل الميليشيات المسلحة وطرحت فكرة تشكيل الحرس الوطنى وحرضت الإرهابى عبد الحكيم بلحاج على إفشال تحركات جبريل الرامية إلى تشكيل قوة انقاذ سريع من الميليشيات الـ 18 التي كانت متواجدة في طرابلس حينها إلا أن الدوحة أفشلت هذا التحرك.
يحسب لمحمود جبريل دوره في الدفاع عن سيادة ليبيا ورفضه عرض قطرى باستمراره في رئاسة الوزراء شريطة عدم الاقتراب من حقيبتى الدفاع والداخلية، وهو ما رفضه بشكل كامل ودخل في ملاسنة مع أمير قطر السابق خلال حضورهم مؤتمر في باريس.
محمود جبريل كان أحد أشد الخصوم لتيار الإسلام السياسى في ليبيا بسبب مواقفهم المتشددة ومحاولة ربطهم للدين بالسياسة وسعيهم للوصول إلى الحكم بطرق شتى، وهو ما تصدى له جبريل وكان يرى فيه تحركا خطيرا يمكن أن يؤدى لانهيار ليبيا ودعشنتها.
سيحكم التاريخ على محمود جبريل الذى قدم لليبيا الكثير خلال سنوات عمله سواء مع سيف الإسلام القذافى أو مرحلة ما بعد القذافى والتي كان له دورا بارزا في ضبط المشهد العام بليبيا وتصديها لكافة المحاولات التي سعت إلى تحول ليبيا لدولة تابعة للخارج.