الأزمات تقتضى التراحم والتكافل وأعلى درجات الإنسانية، وفيها معتبر ومتعظ، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» الأنعام 43، ويقول عز وجل: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا»، الإسراء 59، أى إنذارًا وتنبيهًا، وفيها متعظ «لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»، ق 37، فمن لم يتعظ وقت النوائب والشدائد فمتى يتعظ «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ»، الزمر 22، فالسعيد من وُعِظ بغيره، والشقى من وُعِظ بنفسه، أى من أخذته الغفلة حتى لقى الله عز وجل، فلم تنفعه عظة ولم يدرك توبة ولا أوبة، غير أن بعض القاسية قلوبهم الذين أعماهم الطمع والجشع وغرّتهم الحياة الدنيا وغرّهم بالله الغرور، واتسعت بهم الأمانى، وظنوا أنهم بمأمن ومنجاة من عواقب المحن، وأنهم مخلدون فى الدنيا، فبدل أن يتوبوا إلى الله عز وجل، ويعملوا على تصحيح مسار حياتهم، تحولوا إلى ذئاب أو وحوش بشرية لا عقول لها ولا قلوب. وعلى سبيل المثال لا الحصر اخترنا ثلاثة نماذج من تجار الأزمات: الأول والأسوأ والأخطر هم جماعة الإخوان الإرهابية وعناصرها الضالة وأبواقها الإعلامية العميلة المأجورة، ممن لا يلوون على دين ولا خلق ولا وطنية ولا إنسانية، لا يستحون من الله عز وجل، ولا من الناس ولا من أنفسهم ولا من أهلهم، لأن أموال العمالة والخيانة قد طمست بصائرهم وأعمتهم عن رؤية كل شىء إلا ما يتقاضون مقابل هذه العمالة والخيانة، وما قد يظنونه شهرة وذيوع صيت وهو عليهم خزى وذلة وهوان، فمن لا خير لوطنه فيه، فلا خير فيه لنفسه ولا خير فيه أصلاً، غير أن هذه الجماعة قد خرجت على كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، واحترفت عناصرها الضالة وأبواقها المأجورة الكذب والافتراء والاختلاق وبث الشائعات ،دون أى وازع من دين أو خلق أو ضمير إنسانى، أما الفريق الثانى من تجار الأزمات فهم المستغلون والمحتكرون الذين أعماهم حب المال وشهوة جَمعِه، مع أن أحدًا منهم لا يضمن أن يبقى لحظة واحدة لإنفاق هذا المال أو الانتفاع به، ولو تعقل المستغل قليلاً لما استغل قيد أُنملة، غير أنها شهوة الطمع والجشع والحرص وطول الأمل، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «المحتكر ملعون»، رواه ابن ماجة، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة»، رواه أحمد، وأما الصنف الثالث فهم «مهووسو اللايك والشير»، ومحبو الشهرة، ولو على حساب دينهم أو وطنهم أو القيم والأخلاق والإنسانية من ضعاف النفوس وقصار النظر الذين يلهثون ويصيحون خلف كل ناعق بوعى أو بدون وعى. وعودًا على بدء فهناك من لا يستحون من الله عز وجل ولا من الخلق من عناصر الجماعة الإرهابية وأذنابهم وتابعيهم، فيعمدون إلى إنشاء الصفحات الوهمية فى تعمد للتخفى ظانين أنهم بذلك يخادعون المجتمع وينصرون جماعتهم التى يرونها مختارة من دون خلق الله أجمعين، وينسون أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأنهم وإن استطاعوا أن يخدعوا بعض الناس بعض الوقت، فإنهم لن يستطيعوا خداع كل الناس كل الوقت،
ومع إيماننا بأن الله عز وجل لا يُصلح عمل المفسدين، فإننا نؤكد على استخدام أقصى درجات الحسم مع كل من يتعمد الإضرار بمصلحة الوطن بأى طريق كان، سواء باستغلال حاجات الناس ورفع الأسعار عليهم بلا مبرر، قصد الثراء السريع على حساب الدين والوطن والمجتمع، أم بتشويه صورة المجتمع والنيل من معنويات الناس من خلال بث الشائعات والأكاذيب والأراجيف وقلب الحقائق، وتصوير الإنجازات فى صورة إخفاقات بلا حياء ولا خجل،
مع التذكير بأننا جميعًا مَعروضون على الله عز وجل، حيث يقول سبحانه: «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّى سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ»، الحاقة 18-34، ومسؤولون بين يديه عز وجل، حيث يقول سبحانه:
«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»، الصافات 24، وذلك كله «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»، الشعراء 88-89، فالنجاءَ النجاءَ.