ماذا يمكن أن تفعل امرأة اختطفها مختل وحبسها في غرفة واحدة تحت الأرض لعدة سنوات؟ ماذا يمكن أن تفعل حين تجد نفسها أمًا لطفل من رجل لم تحبه يومًا، في وضع لا يمكن أن تحبه أبدًا؟ كان أمام بطلة فيلم "غرفة" Room (2015) خيارين، إما تشارك طفلها كل حقدها وحزنها على حياتها التي فقدتها إلى أجل غير معلوم وتحولت مأساة، أو أن تخلق في تلك الغرفة، عالم كامل للصغير، تمارس أمومتها كاملة، تعلمه وتسليه وتصنع من بقايا عبوات الطعام الفارغة والأوراق القديمة ألعاب مبهجة تنسيها لبضعة ساعات أنها حبيسة تلك الجدران.
بالنسبة للبعض، قد يبدو ما فعلته البطلة استسلامًا وتسليمًا لهذا الوضع الكارثي، ولكن بالنسبة لي أجدها موهبة. جميعنًا نتنفس ونأكل وننام ونشرب ونذهب لعملنا ولكن موهبة الاستمتاع بالحياة، كيفما كانت، لا يتمتع بها إلا القليلون.
منذ علقنا في بيوتنا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد وأنا أفكر في بطلة الفيلم. في موهبة الاستمتاع بالحياة بين أربعة جدران.
بالنسبة لي كشخص انطوائي يعتبر البيت ملاذًا آمنًا ويجيد الاستمتاع بكل دقيقة فيه لم أجد تعليمات البقاء في البيت صعبة إلى هذا الحد، على العكس رأيتها هدنة مثالية يحتاجها عالمنا المنهِك المُنهَك. ولكنني أتفهم أن الملايين يفتقدون الحياة الوحيدة التي يعرفونها، خارج جدران البيت. ومثل بطلة الفيلم، أمام هؤلاء خيارين، إما يقضون تلك الفترة يبكون على حياتهم التي توقفت فجأة ويرون البيت سجن كبير علقوا فيه إلى أجل غير معروف. أما الخيار الثاني أن يكرروا ما فعلته البطلة، يكتشفوا طريقة لتحويل "غرفتهم" إلى عالم كامل يستمتعون بكافة تفاصيله. يستمتعون بنعمة قرب أحبائهم، ويحاولون أن يكتشفوا موهبة الاستمتاع بالحياة.
بطلة الفيلم التي لم تستلم أبدًا وجدت مخرجًا في النهاية، ولكنها حين خرجت للعالم مع طفلها الذي لم يعرف أن هناك عالم خارج حدود الجدران الأربعة، لم تكن ضيعت كل تلك السنوات من عمره أو عمرها في حزن لا يفيد، احتاجت للتعافي، واحتاج صغيرها للتأهيل من أجل مواجهة هذا العالم الشاسع ولكنهما لم يحتاجا لأن يبدأ كلا منهما من تحت الصفر، وستندهش حين تجد نفسك متفهمًا لشعورهما في بعض الوقت بالحنين إلى تلك الغرفة / الزنزانة.