من أجل مواجهة تقلبات المستقبل والظروف أو الأزمات التي قد تعصف بهم، يأتي المثل الشعبى القائل "القرش الابيض ينفع فى اليوم الأسود" حيث يعد ضمن الثقافة السائدة حول علاقة الناس بالمستقبل والأزمات، ولكن هذه المرة انطبق بالفعل على الوضع الاقتصادى المصرى الحالى في ظل الأزمة العالمية الحالية بسبب تفشى "كوفيد 19" والمعروف إعلاميا بوباء كورونا، حيث أرجعت الدولة المصرية أن إجراءات الإصلاح الاقتصادى كانت بمثابة "طوق النجاة" للاقتصاد المصرى في ظل الأزمة العالمية "كورونا"، وأنه لولا اتخاذ تلك القرارات لوجدنا تعثرا كبيرا وعقبات جمة الآن أثناء اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد الفيروس القاتل.
وثبت بالدليل القاطع، أن التحديات التى نتجت عن قرار تحرير سعر الصرف كانت بالفعل تحديات وقتية وتم التغلب عليها، وخاصة أن جميع التقارير الدولية أكدت أن الاقتصاد المصرى يسير بقوة فى الطريق الصحيح، وأن الدولة المصرية نجحت فى زيادة حجم صادرتها، وتخفيض الواردات والتى كانت تستنزف جزءا كبيرا من العملة الصعبة بالبلاد.
وأخذت الحكومة المصرية على عاتقها تبنى برنامج الإصلاح الاقتصادى منذ الربع الأخير من 2016، وذلك على كافة الأصعدة المالية والنقدية والهيكلية، والذى شمل عددا من القرارات، كان أهمها اعتماد ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الدعم على الوقود والكهرباء، إلا أن القرار الأجرأ والأصعب كان إعلان البنك المركزى فى الثالث من نوفمبر 2016 تحرير سعر صرف العملات والتسعير وفقا لآليات العرض والطلب بالسوق، وهو ما عرف بتعويم الجنيه.
لتأتى أزمة كورونا، وتثبت، أن خطة الإصلاح الاقتصادى، والذى كان بطلها الشعب المصرى، حققت العديد من الإنجازات والإصلاحات، حيث إن سوق الصرف كانت تعانى حالة من الفوضى الكاملة، وهو ما دفع مؤسسات الاستثمار بالابتعاد عن السوق فى ظل عدم قدرتها علي قراءة تطورات السوق، حتى تتمكن من خلق عملها، ونجحت فى بناء احتياطى نقدى قوى، وعملت على دعم الصناعة المحلية، على حساب الواردات، والتى كانت تمثل المصدر الرئيسى للعرض من السلع والخدمات، نتيجة غياب المنافسة العادلة مع المنتج المحلى، إضافة إلى أنها مكنت الدولة المصرية من القضاء على السوق السوداء، إلى جانب تنامى صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى دخلت مصر عقب قرارات الإصلاح، لتمكن الدولة في النهاية من إنشاء عدة مشروعات قومية ضخمة على كافة الأصعدة، وبكافة القطاعات، وخاصة في الصحة والنقل والتعليم والزراعة.
وأخيرا، يتوقع أن يمر العالم أجمع بأزمة اقتصادية عالمية جراء وباء كورونا، وهنا يتحتم علينا أن لا يكون اهتمامنا بالاكتفاء بعبور الأزمة الحالية، ولكن يجب أن ننظر أيضا إلى المستقبل، فتكون عين على "الحاضر" بمعاناته وأخرى على المستقبل وضرورياته، من العودة للعمل والمصانع من جديد متخذين كافة الإجراءات الوقائية، ومن جهة أخرى على الدولة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ لاستكمال منظومة الإصلاحات المتتابعة، لنمنح البنك المركزى إمكانية السيطرة فى أوقات الأزمات، ولتستكمل الدولة نجاحها فى عملية الإصلاح والتحديث والتطوير، وخاصة أنه على مدار الفترة الماضية ومنذ بدء عملية الإصلاح أصبح الاقتصاد المصرى أكثر مرونة، وأظهرت مؤشراته نموا إيجابيا على مستوى العديد من البنود، بما يؤكد أن مصر قدمت ومازالت تقدم نموذجا يحتذى به فى عملية الإصلاح.