الإدارة فى مصر أحد أهم المشكلات التى تواجه التقدم، خاصة فى القطاع الحكومى، فمازالت أفكارنا عن الإدارة قديمة ورجعية وتحتاج إلى مراجعة، خاصة فى قطاعات مثل التعليم والصحة والزراعة والتموين، مع العلم أن هذه الفئات ترتبط مع مصالح الناس بصورة مباشرة، ولها أهمية كبيرة وتؤدى أدوارا شديدة الأهمية للمواطن، لذلك علينا أن ندعم تطوير أداء تلك الفئات، ورفع قدراتها ومستوياتها الاجتماعية والمادية بما يؤهلها للقيام بالدور المناسب.
هذه المقدمة البسيطة أسردها من أجل التوقف عند مثال حى أخبرنى به أحد الأصدقاء، بعدما تم ترشيحه لوظيفة مدير مدرسة، وهو معلم على الدرجة الأولى، إلا أنه يرفض قبول الوظيفة، وسرد لى العديد من الأسباب التى أرى وجاهة منطقها، فالرجل يرفض الترشيح لأنه لن يحصل على أى مزايا مادية عند توليه مسئولية إدارة المدرسة، فالمرتب الذى يتقاضاه وهو معلم أول، نفس المرتب الذى سيتقاضاه وهو مدير للمدرسة، بل وفوق ذلك مطلوب منه أن يكون أول الحضور صباحا وآخرهم مساء، ومطلوب منه أن يستضيف الموجهين والمفتشين ومسئولى الإدارة التعليمية والزيارات الرسمية، ويقدم لهم الشاى والقهوة والعصائر المجانية من جيبه الخاص.
بدأت أسمع الصديق باهتمام بعدما أخبرنى بكل السلبيات التى تحدث عنها فى وظيفة المدير، حتى حدثنى أيضا أنه سيكون أول من يجد اسمه فى لائحة الجزاءات عندما يأتى إليه المحافظ أو مدير المديرية، ويجد أن موعد الفسحة تأخر أو عامل النظافة لا يرتدى الكمامة أو الفصول خالية من سلال المهملات، أو كل ما يعاقب عليه المسئولين الصغار فى مثل هذه الأمور.
بعد كل ما سمعته من الصديق المقرب عن المشكلات التى قد يتعرض لها مدير المدرسة، حاولت العودة بالذاكرة لمدرستنا فى القرية الصغيرة "طرشوب" مركز ببا، محافظة بنى سويف، حين كان مديرها المرحوم الفاضل شوقى أحمد طه، الذى كان أنيق المظهر، لا يتوجه للمدرسة إلا مرتديا بدلته "الشيك"، ويوزع ابتساماته على الجميع، ولعل هذا يجعلنى أتذكره حتى الآن وأرى أنه كان نموذجا ناجحا فى التعليم والإدارة.
قطاع التعليم فى مصر به العديد من المشاكل المزمنة، وقد بدأ فعليا حل العديد من هذه المشكلات من خلال تطوير المناهج وأشهد أن هذا الملف به نجاحات كبيرة، إلا أن المعلم والوكيل والمدير، يجب أن يكونوا محل اهتمام كبير، فهم واجهة التعليم وعنوان هذا المشروع الجديد، ولا يمكن أن نضع معلما فى وظيفة مدير دون توفير حوافز مختلفة وإعانات ومخصصات معقولة تعينه على أداء مهمته، وتمكنه من مكافأة التلاميذ الأوائل، وتعاونه فى استقبال الضيوف، بل ترفع مستواه المادى، وتدعم صورته ولياقته ومظهره العام أمام الناس، فالموضوع ليس مجرد كرسى المدير، وكما نطالب الجميع أن يتحملوا مسئولياتهم علينا أن نقدم لهم ما يعينهم على تحمل هذه المسئولية.
يجب أن نتجاوز البيروقراطية والإجراءات القديمة، ونؤسس بصورة مختلفة للوظائف القيادية الهامة، فلو أن مدير المدرسة خضع لتدريب وتأهيل واختبارات وتم رفع قدراته الفنية والإدارية والمادية، بالطبع سيقدم إضافات رائعة للنظام التعليمى، الذى نعتبره الأمل الوحيد والرهان الحقيقى للتطور في هذا البلد.