الهبوط غير المسبوق فى أسعار النفط، والانهيار الحاد الذى شهده سعر الخام الأمريكي " خام غرب تيكساس"، وهو - الأجود فى العالم والأعلى سعرا - أثار العديد من التساؤلات لدى مختلف فئات المستهلكين، فالأسعار التى وصلت إلى نحو سالب 40 دولارا للبرميل، لم يشهدها العالم من قبل ولم يدرس أحد تأثيرها الحالي والمستقبلى على مصر والعالم.
ولنفهم القصة من البداية يجب أن نعرف العديد من النقاط والحقائق الهامة، أولها أن للنفط ثلاثة أنواع رئيسية وفقا للكثافة، خفيف ومتوسط وثقيل، فالأول هو الأهم والأعلى سعرا، بينما الأخير الأقل جودة نظرا لارتفاع نسب الشوائب، ويتم تقسيم خام النفط إلى عدة مسميات وفقا لمناطق الإنتاج، وأشهر هذه التقسيمات خام غرب تيكساس الأمريكي، خام برنت الانجليزى، خام سلة أوبك الذى تنتجه الدول المصدرة للبترول والمنطقة العربية، وخام الأورال الذى تنتجه روسيا، وخام لويزيانا الخفيف في أمريكا، بالإضافة إلى العديد من المسميات الأخرى، لكن ما سبق هو الأكثر شهرة.
يتم تحديد سعر برميل البترول، الذى تصل كميته إلى 158.9 لتر تقريبا، من خلال قوى العرض والطلب مثل أى سلعة في العالم، ويتم التداول عليه فى البورصات، من خلال آلية العقود الآجلة، التي بمقتضاها يتم شراء براميل النفط ولكن فى المستقبل وفي المقابل أيضاً يلتزم البائع ببيعها على أن تكون الأسعار محددة سلفاً، وأغلب عقود النفط تباع ورقيا، بمعنى أن من يضاربون فى أسعار النفط ليسوا بالضرورة تجار نفط، بل يتجهون للمضاربة على الأسعار لتحقيق مكاسب مستقبلية.
انخفاض خام غرب تكساس الأمريكي جاء نتيجة لعدة أسباب، أولها انخفاض الطلب على البترول فى الولايات المتحدة والدول التى كانت تستحوذ على نصيب من صادرات الخام الأمريكى مثل كندا، وكوريا الجنوبية، والهند وهولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة والصين، ونتيجة تقليص احتياجات هذه الدول ظهر الفائض، بالإضافة إلى امتلاء خزانات الوقود الأمريكية بصورة لم تعد تستقبل معها كميات إضافية، الأمر الذى يجعل الاحتفاظ بالخام الأمريكي عبء كبير على التجار نظرا لارتفاع تكلفة التخزين قياسا على الظروف العادية، فيمكن للتاجر أن يتحمل بيعه بالسالب بدلا من دفع تكاليف إضافية في عمليات استئجار أماكن للتخزين سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
السؤال الأهم هل يمكن لكل هذه المتغيرات في سوق النفط أن تؤثر على مصر؟ الإجابة نعم، قد تؤثر هذه الحالة بالسلب على المجتمع المصرى إذا استمرت لعدة أشهر مقبلة، وهذا يعود إلى أسباب عديدة أولها أن مصر تعتمد على الشريك الأجنبى فى عمليات البحث والتنقيب والاستخراج للزيت الخام، وتنمية الآبار وصيانة الحقول بصورة دورية، الأمر الذى يرفع تكلفة الإنتاج، بمعنى أن الشركات الأجنبية لا يمكن أن تعمل في ظل وجود أسعار ما بين 20 إلى 25 دولارا للبرميل، فلا يمكنها بهذه الأسعار الوصول إلى التكلفة الحقيقية للبرميل، بالإضافة إلى تحمل كل الخسائر المرتبطة بالعمالة والخدمات والصناعات المرتبطة بالبترول.
تراجع الشريك الأجنبي عن عمليات البحث والاستكشاف، أو وقف الإنتاج يخلق أزمة وضغط على السوق المصرية والصناعات الاستراتيجية الهامة المرتبطة بالبترول بصورة مباشرة، وما قد يترتب على ذلك من نتائج سلبية.
البعض يتساءل ما المشكلة تحصل مصر على احتياجاتها من النفط من خلال السوق الأمريكية التي يباع فيها النفط مجانا؟ الإجابة: أسعار الخام الأمريكي في مرحلة هبوط مؤقت وستتعادل مع أسعار الأنواع الأخرى خلال الأيام القليلة المقبلة، بالإضافة إلى أن مصر ليست من الدول التى تصدر لها أمريكا الوقود، وكذلك نعتمد على 35% من استهلاكنا من الخارج والباقى يتم سدة عن طريق الإنتاج المحلى، وما يتم استيراده يكون من خلال الدول العربية.
أخيرا ليس من مصلحة الاقتصاد والأسواق العالمية والمحلية أن يتم بيع أى سلعة أو خدمة بأقل من التكلفة، فهذا الأمر سيتم ترجمته على الفور إلى خسائر غير محدودة، ويترتب عليه كساد وركود يؤثر على معدلات النمو الاقتصادى فى العالم كله، وأول من يتأثر بهذا الركود الأسواق الناشئة التى من بينها مصر، لذلك نتمنى أن تعود الأمور إلى نصابها، وألا تكون جائحة كورونا معول هدم لاقتصاد العالم.