كورونا سيرحل، إن لم يكن اليوم فغدا.. هذه حقيقة تتأكد يوما بعد يوم، السؤال الأهم من متى يرحل كورونا، هو ماذا نعمل بعد أن يرحل؟
قد يسارع البعض ويرد على السؤال الساذج من وجهة نظره بإجابة فورية مفادها: نعود الى أعمالنا، وتفتح الحدود، ونسافر ونتحرك ونعود سيرتنا الأولى من دون خوف أو هلع.
ولكن إذا كان ضحايا كورونا يقدرون حتى الآن بعشرات الآلاف وفيات، وعدة ملايين مصاب على مستوى الأرض، وإذا كانت الخسائر المباشرة وغير المباشرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات جراء توقف حركة الاقتصاد العالمى، فإن التأثير الأكبر والأهم هو أن فيروس كورونا ألحق تغيراً جذرياً فى كوكب الأرض، إلى الحد الذى يمكن أن نقول فيه ببساطة أن العالم ما بعد "كورونا" قد يختلف اختلافا جذريا عن العالم قبله، حيث غير قواعد اللعبة الاقتصادية من أساسها، ووضع قواعد جديدة غير التى كانت .
عندما يطلق الحكم إشارة البدء للاعبين لبدء التسابق فى مضمار الجرى، يكون ذلك نهاية لمشوار طويل من التجهيز والإعداد من اللاعبين ومن مدربيهم، وتكون النتيجة تتويجاً لمحصلة جهد وعناء شهور وسنين من التدريبات، ما أريد أن أقوله أن كل دول العالم الآن معنية الآن ومنذ فترة بالإجابة على السؤال الأهم : ماذا بعد رحيل كورونا ؟
وبقدر استيعاب قادة تلك الدول لحجم التغيرات التى حدثت فى كل بلد، وفى شكل العالم ككل ، وفى التحالفات والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية ، بقدر النجاح المنتظر فى عودة الحياة لعجلة الاقتصاد .
الثوابت تغيرت، وما كنا نعتقد أنه مسلمات ، أثبت لنا فيروس كورونا أنه ليست كذلك، نحن أمام عالم جديد تتشكل ملامحه من جديد ، ترتفع فيه أسهم دول، وتهبط أخرى ، تظهر وظائف جديدة وتتقدم الصفوف ، وتتوارى أخرى وتذهب ، وما كنا نتردد فى تنفيذه جاء كورونا وضغط على زرار التشغيل ، ووضعنا جميعا أمام أمر واقع ..أتساءل: هل تعتقدون أننا سنعود الى مدرجات الجامعات ، لنعلم طلابنا نفس العلوم ، بنفس الآلية التى كنا نتبعها قبل حلول "كورونا" ؟ اذا كانت الإجابة بنعم، فأولى بنا أن ننتحى جانبا، لأننا سنكون بالتأكيد خارج مضمار السباق من قبل أن يبدأ، نفس الأمر فى التربية والتعليم، التى أرى أنها المستفيد الأول من أزمة كورونا التى وضعت المجتمع لأول مرة أمام مرآة الحقيقة التى كان يتهرب منها دائما، وجاء كورونا ليثبت أن التكنولوجيا ليست وهما أو خزعبلات، وان التعليم التقليدى الذى نتبعه منذ مائة عام لم يعد يصلح لتلبية احتياجات مصر فى عصر الطائرات المسيرة، والقفزة اللامحدودة فى عالم السوشيال ميديا، والوسائط الإلكترونية التفاعلية.. ما حدث فى العلم حدث فى الاقتصاد والصناعة، وفى كل مناحى الحياة، وأتصور أنه اذا كان لدينا ادارة ناجحة لأزمة كورونا، تديرها لجنة عاليا، لابد وعلى نفس المستوى يكون لدينا لجنة عليا لإعداد وتهيئة كل قطاعات الدولة المصرية لمرحلة ما بعد كورونا، يكون همها الأول هو تقديم إجابات شافية وافية فى شتى المجالات ، ليتم تهيئة الأرض لإعادة الانطلاق، وإزالة المعوقات التى يجب أن تزال ، ويكون السؤال فى كل قطاع: كيف كنا ؟ ومن أين وكيف نبدأ بعد كورونا ؟ وما هو المطلوب؟ وبقدر قدرتنا على إيجاد الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة بقدر نجاحنا فى تحويل محنة "كورونا" إلى محنة، لأن مصر ساعتها ستكون على أرضية أكثر صلابة، وأكثر اطلاقا فى عالم ما بعد كورونا.