"بـ 100 وش " يكسب الرهان

فى زمن الكورونا حيث الحظر وحالة "خليك فى البيت" تكون البهحة والضحكة سلع غالية القيمة ، ووسط طوفان كوميديا الإستظراف والتهريج الرمضانية يرتبك اى مبدع حقيقى بين سؤالين ، هل يجارى الموجة ويقدم اى حشو كوميدي كى يظل على الخريطة الرمضانية فى جدول المنتجين اعتمادا على نجم كوميدي شهير ؟ أم يراهن على وعى الجمهور وحساسيته الفنية التى تميز بين الفن المتقن وبين السبوبة ؟ وحين يكون الحديث عن مخرجة بقوة ووعى كاملة أبو ذكرى وعن منتج بخبرة ووعى جمال العدل فنحن نعرف مسبقا ان الرهان سيكون على وعى المتلقى وأننا أمام عمل أقل ضماناته الإتقان والنضج . فكاملة ابو ذكرى ليست مجرد مخرجة تكتفى بترجمة وتنفيذ ما هو مكتوب فى الورق (السيناريو والحوار) إنما بمراجعة أعمالها السابقة ( فى السينما : سنة اولى نصب - ملك وكتابة – عن العشق والهوى – 18 يوم ... وفى الدراما التليفزيونية : بنت اسمها ذات – سجن النسا – واحة الغروب ) نجد أنها مخرجة قد تجاوزت حدود الإجادة إلى الإتقان الحِرَفى الشديد ، مخرجة تسيطر سيطرة كاملة على حرفيات ومنهجية كل مفرداتها الفنية وتعرف دور كل مفردة ومتى تكون فى الصدارة ومتى تكون فى الخلفية حسب الموقف الدرامى فتعزف سيمفونية شديدة التناغم ، مخرجة تمتلك إتساع وشمول فى الرؤية الفنية والموضوعية ، فنانة تتنفس ذاتها داخل العمل الفنى فتحيا فيه فيكون إنعكاسا لروحها ، فهى حاضرة فى اعمالها فى كل مشهد وكل كادر وكل ثانية ، حاضرة بخبرتها ورؤيتها ووجدانها وروحها . هذا العام فاجأتنا كاملة أبو ذكرى بمسلسل رمضانى يعتبر تحديا فنيا على كافة المستويات ، به من الجرأة والمجازفة الفنية قد تُرعب اى مخرج آخر ، مجازفة تبدأ من التعرض لفكرة قُدِّمَت من قبل فى العديد من الاعمال الفنية سواء العالمية ام المصرية ، مجازفة فى إختيار نجوم لايُصَّنَفون نجوم كوميديانات ، مجازفة فى التعامل مع سيناريو وحوار لايكتفى بإفراد مساحات واسعة للنجمين فقط إنما يفرد مساحات لكل المشاركين فى المشهد مما يستوجب إختيار مجموعة من الممثلين الموهوبين المتمكنين القادرين على الحفاظ على ايقاع المشهد بنفس القوة ، ومع كل تلك المجازفات والتحديات نجد انفسنا أمام كوميديا من نوع خاص ، كوميديا تتغلغل فتمس الروح وتنشر البهجة في أرجائها فتخرج الضحكة من أعماق الروح ، "ضحكة كاملة" كما وصفها الناقد المخضرم طارق الشناوى , فهى فعلا ضحكة كاملة من إكتمال البهجة وضحكة كاملة نسبة لكاملة ابو ذكرى . فمسلسل " بـ 100 وش " عمل درامى كوميدي متكامل العناصر الفنية تتبادل هذه العناصر صدارة المشهد فلا يركز على عنصر واحد فقط مما يوقع العمل فى الملل وإنما تبادل تحميل الشفرات الفنية والمضامين على عدة عناصر متتابعة ومتغيرة مما ينشط من ايقاع المشهد وايقاع المسلسل فنجد السيناريو دائما فى تجدد وتسارع وتتابع واقعى للأحداث المتتالية والمتراتبة منطقيا فى حبكة درامية كوميدية قوية . حوار نابع من واقع وطبيعة الشخصيات وطبيعة الحدث وطبيعة علاقاتها بالموقف . حوار يصل فى واقعيته لدرجة التداخل فى الحوارات وركوبها على بعضها فتلك الهرجلة الخفيفة (المقصودة) تكسر جمود تنظيم الموقف فتضفى اجواء من الحميمية على المتلقى . حوار موزع توزيعا منطقيا على كافة المشاركين فى المشهد دون تفريق بين نجوم الصف الاول ونجوم الصف الثانى ينطلق فقط من معايير شديدة الواقعية والموضوعية الفنية فيُنتِج كوميديا جماعية عالية المستوى شديدة الديناميكية والثراء الفنى . فنجد اننا امام مجموعة متعددة من نجوم لايسعون إلى الإستظراف اوالإفتعال الكوميدى إنما الكوميديا نابعة فعلا من الموقف ومن اختلاف طبيعة وملامح كل شخصية درامية عن الأخرى وطبيعة سلوكها ورد فعلها تجاه الموقف فتخلق المفارقات الكوميدية بشكل سلسل وناعم وعميق وممتع . نجوم موهوبين تم اختيارهم وتسكينهم فى أدوارهم بدقة متناهية فلايوجد ممثل فى دور لايتطابق مع امكانياته وكأنه مكتوب خصيصا له وكأن هذا المسلسل يعيد إكتشافهم من جديد أو كأنهم هم شخصيا يعيدون إكتشاف امكانياتهم الفنية ، فنجد نيللى كريم المصنفة على قمة ممثلى الأعمال التراجيدية بل "ملكة النكد" تفجر طاقة كوميدية كامنة بداخلها فى شخصية "سكر" لاتملك امامها سوى المتعة والبهجة لأدائها الكوميدي خفيف الظل والطبيعى لأقصى درجة ، وآسر ياسين بأدائه السلس الجاد العميق يقدم كوميديا موقف صريحة فى شخصية " عمر" لم يقدمها من قبل بل يعلو على كوميديانات كبار برشاقة وتمكن ، إسلام إبراهيم فى شخصية "حمادة عبقرينو" القادم من العالم الافتراضى بمفرداته الكوميدية القادمة من عالم مواز فعلا فهو غائب اجتماعيا وعبقرى فى عالمه مع نفسه وفى عالمه الخاص ، وذلك الكارثة الكوميدية القنبلة الموقوتة شريف الدسوقى الشهيربعم سباعى "سبعبع" يحيا فى عالم مواز مختلف قادم من خيالات السُكْر وأوهام الفن والنجومية ، زينب غريب فى شخصية "رضوى لوز العنب" تلك الشعنونة الشعبية العشوائية سواء فى طريقة كلامها او حتى ملابسها ، دينا ماهر التى عودتنا على ادوار التراجيديا الجادة والمركبة فترتدى عباءة الإجادة الكوميدية فى شخصية "نجلاء الممرضة" بنفس الدرجة من الجدية والعمق فى الاداء التمثيلى لكن فى إطار كوميدى مركب ايضا محافظة على ابعاد الشخصية وابعادها الاجتماعية والنفسية ، محمد عبد العظيم وهو معروف بأدوار الفيلين "الشرير" فى شخصية الموظف المرتشى بشكل كوميدي يصل فنيا لدرجة المسخرة ، وعلا رشدى فى شخصية "ماجى" الروشة آخر حاجة بخفة دم ورشاقة أداء كوميدي عالى المستوى ، مصطفى درويش فى شخصية " فتحى " البلطجى وديلر المخدرات بكل سمات بلطجى الطبقات الشعبية من الجدعنة والندالة فى ذات نفس الوقت ، تلك العصابة المهجنة بين كافة الطبقات الاجتماعية بما يخلق فروقا جوهرية بين الشخصيات ويخلق مفارقات درامية كوميدية ويعطى ابعادا إجتماعية للأحداث ومساحات كوميديا موقف شاسعة . ورغم تلك المساحات المفتوحة امامهم إلا أنهم جميعا ملتزمون بالخط الدرامى المرسوم لهم وفق طبيعة وملامح كل شخصية ووفق طبيعة الموقف فلاتخرج جملة او إيماءة خارج السياق الدرامى فلا ينجرف اى نجم وراء بَروَزة نفسه او ينجرف حتى وراء طبيعة نجوميته فالتمثيل هنا نابع فقط من داخل السياق الدرامى فقط وهذا ينم على انهم جميعا يتعاملون مع العمل من منطلق فنى يحترمونه ويقدرون قيمته وليس مجرد سبوبة او نحتاية رمضانية موسمية والسلام . وعلى جانب آخر يعتبره البعض فى اعمال أخرى جانبا تكميلياً وهو جانب يشمل خلفيات المشهد البصرية من ديكور وملابس وماكياج واكسسوارات لكننا فى مسلسل "بـ 100 وش" نجدها جميعا حاضرة فى صميم المعنى والموضوع والطابع الفنى العام للمسلسل . فتم التصوير فى أماكن واقعية بالفعل مواقع حقيقية سواء المغلقة (شقة عمر فى منطقة راقية وبلكونة مطلة على حدائق واشجار- شقة سكر ضيقة وفى منطقة شعبية - ملجأ الأطفال اليتامى الذى نشأت فيه نجلاء – محل الكوافير ) ام الاماكن المفتوحة (شوارع الزمالك – الشارع الشعبى الذى تسكن فيه سكر – شقة ماجى - وكر فتحى خرابة مسقفة بجمالون وارضيتها مليئة بالتراب ) وكلها اماكن حقيقية مما عمق الاحساس بالواقعية الطاغية على العمل مما زاد من جرعة المصداقية الحقيقية لدرجة الطبيعية . والملابس مطابقة بشكل واقعى شديد لطبيعة وتكوين الشخصيات اجتماعيا ونفسيا دون ادنى إعتبارات لنجومية النجوم ونفس الإتجاه الفنى فى الماكياج والاكسسوارات فلانجد شخصية داخل منزلها بملابس خروج مثلا ولم نر شخصية نسائية تستيقظ من النوم وعلى وجهها اى رتوش ماكياج ، فى حين ان نيللى كريم بطبيعة عملها فى المسلسل فى كوافير بالزمالك فنرى كل انواع المبالغة فى الماكياج والاكسسوارات وهى خارج المنزل وملابسها تدل على بيئتها الشعبية لكنها متاثرة بإحتكاكها بطبقات أعلى فى عملها فنجدها فى ملابسها وماكياجها واكسسواراتها خليط عشوائى مابين الطبقتين ، ونفس المنهج والطابع والاطارالفنى ينطبق على شخصية آسر ياسين القادم من طبقة ارستقراطية جار عليها الزمن وهو مانراه منعكسا فى ملابسه الفاخرة "السينيه" وماكياجه المنمق والانيق وسلوكه المتعالى بالممزوج بالإتيكيت ودائم الامساك بالسيجار ، فهو النصاب القادم من الطبقة العليا بكل إلمامه بطبيعة طبقته محاولا إستعادة مكانة عائلته ، وهى النصابة القادمة من الطبقة الشعبية بكل تطلعاتها الاجتماعية بالغنى المالى والترقى الإجتماعى ، فنفس المنهج نجده منعكسا فى بنية كافة الشخصيات وفق مكونها الاجتماعى والنفسى فتلقى تلك الخلفيات الإجتماعية للشخصيات ظلالها على كافة الخلفيات البصرية المكونة للمشهد وللشخصيات من ديكور او ملابس او ماكياج او اكسسوارات فتتحول من دور المكمل الى الحضور فى بؤرة الموضوع فى سيطرة كاملة ومنهجية دقيقة من المخرجة على كافة تلك المفردات بميزان فى منتهى الحساسية والوعى الفنى والموضوعى وبشكل ممعن فى الواقعية والمصداقية . وتنعكس تلك الملامح فى حركة الممثلين الحيوية المعبرة عن الحالة والموقف وحركة الكاميرا النشطة بما يتوازى مع طبيعة الاكشن وطبيعة الكوميديا وتقطيع المونتاج العالى المستوى فنيا المتوازى مع سرعة ايقاع الاحداث وتعدد الشخصيات . حتى تتر المسلسل يعتبر تحدياً ورهاناً آخر بل حرب أخرى تخوضها كاملة ابو ذكرى فترسل رسالة فنية ضمنية هذا التحدى يتمثل فى أغنية التتر وهى مهرجان"مليونير" لفرقة المدفعجية رغم كل الضوضاء التى أثيرت حول المهرجانات ومدى شرعيتها الفنية والاجتماعية ، فتأتى كاملة ابو ذكرى بمنتهى الجرأة فتلقى بهذا المهرجان كمقدمة لمسلسلها كمعادل فنى واقعى لمدى عشوائية واقعنا الحالى ودال على طبيعة هجين الشخصيات من كافة الطبقات الاجتماعية بكل تداخلاتها وتقاطعاتها العشوائية ناهيك عن دلالة الكلمات ورشاقة اللحن الراقص وحيويته البالغة التى تعزف نفس نغمة البهجة كحالة عامة للمسلسل . وهذا فقط مانستطيع ان نستنبطه من بعض الملامح الفنية للمسلسل ونحن مازلنا فى الحلقة الثامنة منه فلانستطيع الخوض ابعد من ذلك حتى الان . لكن "الجواب باين من عنوانه" فنحن امام عمل متقن بشكل حِرَفى دقيق – عمل متناغم بين كل مفرداته – عمل واقعى يخلق مصداقية وحميمية مع المشاهد بشكل عميق – عمل يخلق كوميديا موقف حقيقية واقعية شديدة البهجة دون ابتذال او إستظراف او افتعال – عمل كل من شارك فيه يستحق الإشادة والتحية والتصفيق تقديرا منفردا له فكلهم نجوم مبدعون يقدرون قيمة ابداعهم ويحترمونه ويحترمون عقلية جمهورهم فاستحقوا إحترامه وتقديره . عمل دفعنا ان نكتب عنه حتى قبل ان يكتمل من فرط إبداعه واحترامه . ومن فرط شوقنا لمثل هذه الاعمال . فهم راهنوا على وعينا بتمييز الرث من الثمين وكسبوا الرهان .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;