ونحن فى شهر رمضان المبارك، قد كتب الله علينا، وكل ما يقدره الله خير، أن نقضى فترات طويلة فى بيوتنا بسبب الإجراءات الوقائية من انتشار فيروس كورونا، ومن أشدها وأصعبها على المصريين الذين تعودوا على الحركة والنشاط والعمل عدم مغادرة البيوت إلا للضرورة، فأصبحت الأسر المصرية أمام واقع جديد يجب علينا أن نتفهمه وأن نتقبله وأن نغير من بعض عادتنا وسلوكياتنا حتى تمر هذه الأزمة بأقل الخسائر خاصة فى جانب العلاقات الاجتماعية والأسرية، لأن الأسرة هى أهم ركائز ومكونات المجتمع، ومن أهم الأمور التى ينبغى أن نعيها فى هذا الشأن أهمية وجود أو إيجاد الحب والمودة والرحمة بين أفراد الأسرة جميعا، ومن مشكاة الحب يأتى كل ما هو مطلوب ومهم فى هذه المرحلة، فمن الحب يأتى التفهم والشعور بالغير، وبما عليه من أعباء وضغوط نفسية، فلا أحد فى الأسرة المصرية من أصغر طفل إلى الوالدين لا يتعرض للضغوط النفسية، فالأولاد حبسوا عن أصدقائهم وعن متنزهاتهم وعن بيتهم الثانى وربما الأول وهو المدرسة، وأصبحوا أمام ضغوط تغير نمط الدراسة والامتحانات وعمل الأبحاث البديلة عن الامتحانات، وبطبيعة الحال فإن الوالدين أيضا يتابعان هذه الأمور التعليمية حتى لا يتركوا الأولاد فريسة لشائعات المغرضين وذوى النفوس المريضة، إضافة إلى ما على عاتق الوالدين من أعباء تدابير الحياة فى هذه الظروف، وهنا يأتى دور الحب الذى يولد الشفقة والإحساس بالغير أيا كان هذا الغير ابن أو ابنة أو أب أو أم، وهذه فرصة عظيمة جدا لتعليم الأبناء معنى تحمل المسؤولية والشعور بالآخرين، لقد قصرنا كثيرا فى إيصال هذه المشاعر والمعانى إلى أولادنا، وأصبح أكبر همنا أن نسعى فى حرب طاحنة ضروس مع حركة الحياة المتسارعة لكى نوفر للأولاد كل ما هو ضرورى وترفيهى، حتى نشأ كثير من أبنائنا لا يعرفون شيئا عن تحمل المسؤولية إلا بعد التخرج من الجامعة، ومن الإحسان إلى أبنائنا أن نعلمهم فى مراحلهم المبكرة معنى الرجولة ومعنى الأنوثة وما يقتضيه هذا التنوع الذى خلقه الله من حكمة أرادها سبحانه فى الكون والحياة، وفى نفس الوقت نستطيع أن نحتوى أبناءنا وأن نقترب من قلوبهم قبل عقولهم وأن نقلل من الفجوات والثغرات التفاهمية والعاطفية التى تكونت واتسعت عبر السنوات بفعل العولمة وتغير النموذج المعرفى والخريطة الثقافية نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات وتغلل السوشيال ميديا وسيطرتها بشكل شبه كامل على عقول أبنائنا، أضف إلى ذلك ما أنتجته ثورات الربيع العربى من مفاهيم وأفكار أثرت بشكل أو آخر على التواصل الفكرى بين الأجيال، فهل نستطيع أن نستغل أزمة كورونا فى تقليل هذه الفجوات بيننا وبين أبنائنا؟ نعم نستطيع بالحب، وبالحب أيضا نستطيع أن نعيد قوة العلاقة بين الزوجين، فكل خلل فى الأسرة راجع إلى كثرة المشاكل والشجار والخلافات بين الزوجين، وأساس العلاقة الزوجية الصحيحة هى المودة والرحمة، والتى تتطلب أن يبذل كل من الزوجين للآخر ما يستطيع، لا أن ينظر فقط إلى حقوقه، حتى أصبحت العلاقة الزوجية هى المطالبة بالحقوق، فالبيوت تبنى على الحب وليس على المطالبة بالحقوق، وبالمودة والرحمة سينعم كل من الزوجين بما هو أكثر من حقوقه، فهل نستطيع أن ننسى الخلافات القديمة، وأن نقوى حبال المودة والرحمة بين الأزواج، هل سيدرك الرجل أن سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، قال «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، هل يعلم الرجل أن النبى، صلى الله عليه وسلم، إذا كان فى بيته كان فى مهنة أهله أى فى خدمتهم كما روت أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، وهذه فرصة طيبة للرجل أن يتخلى عن المفاهيم الزائفة التى دخلت على الرجولة فأفسدتها، فالتحكم والصلابة والقسوة والغلظة وإرهاق من معك من أهل وأولاد ليس من الرجولة فى شىء، وهل ستدرك المرأة أن نساء السلف الصالح لم يبلغن ما بلغن من درجات سامية إلا بالرضا والقناعة والاكتفاء بالقليل، فقد كانت إحداهن تنادى زوجها فى أول يومه قائلة: «اتق الله فينا ولا تكسب حراما فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار».