فى قصيدة "بغداد" للشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى جملة شعرية تقول "الأنظمة كلها مبتختلفش يا أخ" تذكرت هذه الجملة وأنا أقرأ رواية "عيناها" للكاتب الإيرانى بزرك علوى، ترجمة الدكتور أحمد موسى، والصادرة عن سلسلة إبداعات عالمية، عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت.
تدور رواية "عيناها" فى زمن الشاه "رضا بهلوى" ومن بعده ابنه "محمد رضا بهلوى" وتحكى عن فتاة لا نعرف اسمها الحقيقى، ولها اسم حركى هو "فرنكيس" وعن فنان تشكيلى شهير يدعى "ماكان" ويلقبه الناس بالأستاذ، وتحكى الرواية عن "طهران" وأحزانها وما تعانيه من ديكتاتورية الشاه، ومن مطاردات لا يتوقف عنها نظامه، ومقاومة لا يتوقف عنها الوطنيون الذين يتمنون لإيران مساحة أكبر من الحرية.
يمكن قراءة هذه الرواية من خلال مستويات عدة، منها المستوى الرومانسى، فنحن أمام قصة حب مكتملة الأركان، فتاة من أسرة ثرية علاقتها بالواقع شبه معدومة، جميلة محاطة طوال الوقت بالمعجبين والراغبين فى الزواج، لكنها تبحث عن شىء مختلف تجده فى الأستاذ "ماكان" تحبه لدرجة أنها تضحى بمستقبلها من أجل توفير بعض الحماية له.
وفى هذا المستوى من تلقى الرواية نجد تفسيرات اجتماعية ونفسية للحب ومداخله والرغبة فيه والخوف منه، والإقدام عليه والفرار منه.
وهناك المستوى السياسى للرواية، التى سجلت فى نهايتها، أنها انتهت فى عام 1952، أى أنها كتبت فى زمن الشاه محمد رضا بهلوى، ويكشف ذلك على كون الحركة الأدبية فى إيران فى ذلك الوقت كانت مصرة على التعبير عن رأيها، مع العلم أن المؤلف برزك علوى قد دخل السجن بتهمة سياسية، هذه الرواية كاشفة عن الوضع السياسى لإيران فى زمن الثلاثينيات والأربعينيات، حيث البلد تحكم بقبضة من حديد.
كما تكشف الرواية عن الوضع الثقافى للدولة الفارسية، التى تتصارع بين طائفتين من المبدعين، منهما من يرى أن اللغة العربية والإسلام كان لهما أثرا سلبيا فى حاضر الثقافة الفارسية، بينما يواصل فريق آخر الدفاع عن المزج الذى حدث بين الثقافتين.
وتشير الرواية إلى طريقة الشاه فى فرض الثقافة الأوربية على المجتمع الإيراني، وكيف أحدث ذلك خاصة فيما يتعلق بالمرأة "ارتباكا" كبيرا عانى منه الجميع.
كما أن الرواية غنية بالمعرفة العامة خاصة فى مجال الفن التشكيلي، فالأحداث كلها فجرتها لوحة "عيناها" وكان الجميع يريد أن يعرف من صاحبة العينين المرسومتين فى اللوحة وما العلاقة الخفية التى جمعتها بالاستاذ "ماكان".
الرواية تقول إن اليسار خسر قضيته في مواجهة الشاه، ودفع ثمن ذلك كثيرا. وبالطبع نحن نقرأ هذه الرواية، الآن، وفى أذهاننا ما حدث فى إيران بعد عام 1979 من ثورة إسلامية، غيرت طبيعة المجتمع، لكنها لجأت مثل النظام السابق فى فرض ثقافتها على الناس، وبالتالى كانت النتيجة كما نرى فى كلا الحالين ثقافة موجهة وشعب مظلوم.