رحل النصف الأول من شهرنا الفضيل، وكلنا جميعا نعلم فضائله ومزاياه وأنه فرصة لا تعوض، حيث فيه ليلة خير من ألف شهر، فلنُرى الله من أنفسنا خيراً، وأن ندرك أنوار الطاعة والعبادة والمناجاة، فهذا الشهر شهر الأنوار بحق، والمؤمن يبحث عن النور؛ لكى يزداد نوراً على نور، فشهر رمضان عبارة عن أنوارٍ بعضها فوق بعض، فكيف لك أن تنال هذه الأنوار بقسط وافر؟!، وخاصة أننا فى شهر رمضان مدعوون إلى ضيافة الله! فلنتهيأ لتلك الاستضافة السماوية فلعلنا لا ندرك غيرها، يقول نبينا الكريم،"هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إلى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ"، نعم إنها كرامة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، فشهر رمضان لن يكون شهر خير وبركة ومحبة وسلام إلا أن جعلناه مناسبة للتدبر وليس للإسراف، وتجريب آلية السيطرة على الشهوات، وليس اطلاق جماحها، والتسابق فى صفوف الإحسان والصدقات، وليس التنافس فى صف أطباق الطعام على الموائد.
فكيف نخسر رمضان؟، وهو شهر سلام للنفس والبدن والقلب والروح، شهر اقتصاد وتدبير، وفرصة سنوية لتعزيز التكافل الاجتماعى لاستبيان الفائدة العائدة على العلاقات الإنسانية بين شرائح المجتمع، وسلاسة التواصل فيما بينها، والأهم أننا بالتكافل المستدام نعمل على تفريغ شحنات سلبية قد تنمو حال إغفال الميسور والمقتدر الفقير ولم يأخذ بيده، وننسى قوله عز وجل ﴿وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وكيف نخسر شهر القرآن؟، وهو شهر الأخلاق والمسامحة والغفران، وإكرام الأيتام وصلة الأرحام، حيث يقول نبينا الكريم: "مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِى هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ، وَمَنْ خَفَّفَ فِى هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ، وَمَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ، كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً، أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ".
وأخيرا .. فقد رحل عنا النصف الأول، وأمامنا فرصة النصف الأخير من الشهر الكريم، فعلينا اغتنام الفرصة، حتى لا يكون في صفوفنا صائم عن الطعام والشراب فقط، يبيت ليله يتسلى على الأعراض، وتقامر عيناه شهوة محرمة يرصدها فى ليل رمضان، ويده امتدت إلى عامل فأكلت ماله، أو حفنة ربا فاجتالتها دون نظر إلى عاقبة أو تأمل فى آخرة، وبين صفوفنا من فاتته صلوات، وقد آثر النوم والراحة على كسب الطاعة والعبادة، فاللهم أحسن لنا استقبال البقية فما بقى أكثرَ مما فات..