الحفاظ على مرافق الدولة والخدمات التى تقدمها مسئولية مشتركة بين كل أفراد المجتمع، بل وواجب علينا جميعا لا يمكن التفريط فيه أو التهاون، وليس فقط دور نواب البرلمان أو المسئولين التنفيذيين فى الحكومة، بل دور أصيل يجب أن يضعه كل مواطن ضمن أولوياته، لذلك أدهشنى ما فعله النائب إلهامى عجينة، عضو مجلس النواب عن محافظة الدقهلية، بعدما نظم زيارة مفاجئة لمستشفى شربين العام، حاول خلالها تصوير ما يدور داخل المستشفى، وهاجم الأطباء وطواقم التمريض تعبيرا عن استيائه من مستوى الخدمة الصحية التى تقدم للمرضى.
الحقائق التي يجب أن يعلمها النائب ويجب أن نفندها ونسردها، أن للحصانة البرلمانية ضوابط، والرقابة على أداء الحكومة لا تعنى أبدا اقتحام المستشفيات أو وتوبيخ الموظفين والهجوم على الأطباء والممرضين، وتصوير مبنى المستشفى من الداخل والخارج، لإثبات أن هناك تقصير ما، فكلنا يعرف أن المستشفيات في مصر تحتاج مجهودات كبيرة وضخمة، وما تحتاجه هذه المستشفيات في الوقت الراهن يحتم علينا أن نأخذ بيد القطاع الصحى من خلال تطوير حقيقى ودعم معتبر، فبدلا من الهجوم والتصوير والاتهام بالتقصير كان من الممكن أن يقدم النائب المذكور حملة شعبية لدعم مستشفى شربين العام من خلال تبرعات ومساعدات يشرف عليها بنفسه، مع السعي والتواصل مع كل مسئولي الصحة لتوفير الأجهزة اللازمة والطواقم الطبية المدربة، إن كان يبتغى خدمة حقيقية لأبناء دائرته، وهذا حل عملى إنسانى وسيجعل هناك رقابة شعبية حقيقية على أداء هذه المستشفى، بعدما يشعر الجميع أنهم جزء منها، فكل من تبرع بجنيه سيرفض انهيار الخدمة أو التراخى في توفير العلاج اللازم، دون أن يتم توجيه الاتهامات للعاملين والأطباء والموظفين كما حدث بالأمس.
الحقيقة التى لا يجب أن نختلف عليها جميعا أن توبيخ صغار الموظفين أبدا لم يكن انتصارا أو يقدم لصاحبه ميزة أو شعبية، ورقابة النائب البرلمانى لا تعنى أبدا اقتحام المستشفيات أو المدارس أو المصالح الحكومية، بل تتم بضوابط أقرها القانون وقواعد عامة تعتمد بصورة مطلقة على مبدأ الفصل بين السلطات، وكان على النائب إلهامى عجينة أن يرصد ويتابع ويستجوب ويعلق من داخل قبة البرلمان و يطرح اتهاماته على أكبر مسئول عن الصحة فى مصر كما خول له القانون ونظمت ذلك لوائح البرلمان، لا أن يدخل مستشفى عام بهذه الطريقة، ويعلق كل المشكلات على مجموعة تؤدى عملها فى ظروف صعبة وحرجة للغاية.
الافتئات على مدير مستشفى أو نائبه، أو الطبيب المقيم ومسئول الصيدلة والتمريض لتحميله مسئولية ضعف نظام الرعاية الصحية بالكامل واتهامه بالتقصير، وإرغامه على التحدث أمام الكاميرا يتنافى مع مبادئ الإنسانية، ويعتبر تغول واضح على حقوق هذه الفئات التى تقدم خدمة عامة للمجتمع، فالمنظومة الصحية لن تنصلح إذا حصل هذا المدير على خصم من راتبه، أو تم نقله إلى وظيفة أقل، فهذا ليس حلا، وعلى كل مسئول أن يدعم هذه الفئة فى تقديم دورها على أكمل وجه وتوفير ما ينقصها قبل إشهار آليات العقاب والمحاسبة، خاصة أن المدير فى الوظائف الحكومية لا يحصل على مكافآت أو مزايا أو منح، بل جزاءات وخصومات وملف وظيفى يخضع بين الحين والآخر لزيارات المسئولين.
النائب البرلمانى قطعا هو صوت المواطن وضميره والمراقب على أداء الحكومة والمحاسب لها، لكن بضوابط محددة، فلا يمكن أن نضع كل مشكلاتنا على صغار الموظفين ونشن عليهم حربا ونتهمهم بالتقصير ونشوه صورتهم في وسائل التواصل الاجتماعى ونعطى فرصة للإعلام المعادى أن يقدم هذه الصورة باعتبارها تعبر عن مصر، مع أنها حالة فردية.