الرهان على وعى المواطن.. ليس مجرد عنوانا محليا، يقتصر في نطاقه على الأوضاع في مصر فيما يتعلق بالتعامل مع فيروس كورونا، وإنما يمتد إلى مناطق أخرى حول العالم، في ظل التوجه العالمى نحو التعايش معه، والمخاوف المرتبطة بانتشاره في المستقبل، خاصة وأن الحاجة أصبحت ملحة لعودة الحياة، واستعادة النشاط الاقتصادى، ولو جزئيا في ظل الركود الاقتصادى وتداعياته، وحالة الارتباك التي من المتوقع أن تضرب العديد من الأسواق حول العالم.
إلا أن المفارقة المثيرة للانتباه هي أن الحاجة لوعى المواطن تبدو ملحة، ليس فقط في الدول التي مازالت تعانى من تفشى الفيروس، وإنما أيضا في الدول التي نجحت في احتوائه إلى حد كبير، على غرار دول أوروبا التي تمكنت مؤخرا من السيطرة على الفيروس كإيطاليا وإسبانيا، بالإضافة كذلك إلى الولايات المتحدة، خاصة وأن العودة إلى الحياة يتطلب معايير ينبغي الالتزام بها، وهو الأمر الذى يبدو من الصعب على الحكومات السيطرة عليه، في ظل إجراءات رفع القيود التي فرضت خلال الأشهر الماضية، وإلا تعرضت تلك الدول إلى انتكاسة خطيرة من شأنها تقويض أي تقدم تحقق في الأسابيع الماضية.
وهنا تصبح الكرة في ملعب المواطنين، فيما يتعلق بالحفاظ على سلامتهم الشخصية، ومن ورائهم المجتمع بأسره، خاصة وأن دور الحكومات انتهى عمليا بالنجاح الذى تحقق في احتواء تفشى الفيروس، أو الحد من انتشاره، عبر اتخاذ الإجراءات الاحترازية لأسابيع، ولكن يبقى استمرار الإغلاق بمثابة "انتحارا" اقتصاديا، في المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذى أعلنته عدة دول، اتخذت قرارات واضحة بالعودة إلى العمل تدريجيا.
مسئولية المواطن لا تقتصر على مجرد الحفاظ على سلامته الشخصية، والتي تعد أولوية قصوى وضعتها الحكومات على عاتقها منذ بداية الأزمة، وبالتالي سلامة المجتمعات، وإنما تمتد إلى حماية وضعه الاقتصادى، في ظل المعاناة الكبيرة التي تكبدتها العديد من الأسر، في العديد من مناطق العالم، دون تفرقة بين دول العالم الأول والثالث، وهى المعاناة التي تجلت، على سبيل المثال في خروج أعداد من الأمريكيين لتأييد قرارات الرئيس دونالد ترامب، باستعادة الحياة، بعد شهور من التوقف والركود، الذى ترك تداعيات سلبية كبيرة على حياتهم، بدت واضحة في معدلات النمو الاقتصادى، والزيادة الكبيرة في معدلات البطالة.
وهنا أصبح الرهان على وعى المواطن هو بمثابة الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومات في مختلف دول العالم، ليصبح هو المسئول عن وضعه الصحى والاقتصادي، خاصة وأن اتساع نطاق تفشى الفيروس في المرحلة المقبلة، سيترتب عليه "كابوس" العودة إلى الإغلاق، وهو ما سوف يترك تداعيات ثقيلة على كاهله، إذا ما فشل في الالتزام بالإجراءات الاحترازية في مرحلة ما بعد العودة للحياة.
الاختبار يبدو صعبا، حيث أنه سوف يقدم تقييما شاملا للكيفية التي يتعامل بها المواطنون في مختلف دول العالم، مع نفس الأزمة، خاصة وأن الاختيار أصبح بيدهم وحدهم دون غيرهم، بين النجاة من الأزمة التي فرضت نفسها على العالم بأسره، أو الدخول في مسارات أصعب على كافة المستويات، سواء الحياتية أو الصحية أو الاقتصادية، في المستقبل القريب.