بمناسبة شهر رمضان تنطلق الكثير من الحملات لجمع تبرعات لصالح مستشفيات ومراكز مجتمع أهلى وجمعيات خيرية، فضلا عن اتجاه موسمى لتقديم كراتين غذاء ووجبات إفطار للمحتاجين، وبقدر ما تبدو الوجبات بالفعل كافية وزيادة، دائما ما تبدو الصورة غير ذلك، والسبب هو عشوائية الكثير من الجهات التى توزع الوجبات، حيث تتجه أكثر من حملة إلى مكان واحد بينما تحرم أماكن أخرى من الطعام، ومن متابعة أداء المحترفين من المتسولين، نكتشف أن هناك أعدادا من المحترفين ممن ليسوا محتاجين ولكنهم يجيدون تمثيل دور الغلبان فعلا، يحصلون على كميات كبيرة من الكراتين أو الوجبات ليعيدوا الاتجار فيها.
لدينا أعداد من لابسى يونيفورم عمال النظافة، وسيدات ورجال يعرفون أماكن توزيع الكراتين والوجبات، وهم أعضاء فى شبكات لديها ناضورجية وقصاصى أثر «الوجبات والكراتين»، وهؤلاء يحصلون على أعداد مضاعفة ولديهم طرقهم فى إخفائها وتخزينها وإعادة بيعها.
فى المقابل فإن الفقراء المحتاجين فعلا ممن يتعففون ويبقون فى منازلهم وقراهم «لا يسألون الناس»، لديهم كرامة وتحسبهم فعلا «أغنياء من التعفف»، هؤلاء غالبا لا يحصلون على نصيب من الوجبات أو الكراتين إلا عن طريق المصادفات ومن مساعٍ وبحث من أهل الخير، بينما يحصل المحترفون على أضعاف منا يستحقون.
التسول أصبح ظاهرة تتسع وتتشعب، وهناك بالفعل شبكات واسعة من نساء ورجال وأطفال، لديهم قدرات تمثيلية وقدرة على الإلحاح، تمكنهم من الحصول على النسب الأعلى من أى مساعدات.
المفارقة أن عددا من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخيرية غالبا ما تسجل نفس الأسماء المحترفة، أو يتم هذا من خلال تواطؤ وتسديد خانات، ولأن بعض هذه الجمعيات تهتم فقط بتسديد الأوراق والخانات، وبعضها غارق فى ملء الفراغات والأوراق، وبالتالى لا تهتم كثيرا بمن يستحقون، ويمكن أن تسعى للمحترفين الذين يوفرون لها شكلا مناسبا، بينما القائمون عليها مشغولون بالحصول على نسب معتبرة من أموال التبرعات.
ومثلما يمكن للمحترفين بأدوات تمثيلية تحصيل النسب الأكبر من المساعدات، فإن الجمعيات والمستشفيات التى يمكنها تقديم حملات دعائية ناجحة أن تحصل على مئات الأضعاف، بينما تعجز مراكز ومستشفيات تقدم خدمة بالفعل عن جذب تبرعات، والأمثلة الواضحة المعهد القومى للأورام ومستشفى أبو الريش للأطفال والمستشفى الياباني، وعشرات المستشفيات العامة والمركزية التى تحتاج إلى التبرعات وتقدم خدمات حقيقية، بينما يمكن للمحترفين أن يحصلوا على نصيب الأسد من التبرعات وأموال الخير، التى تتوجه بناء على القدرات الدعائية وليس على مستوى وحجم ما تقدمه من خدمات طبية أو خيرية.
والواقع أنه بالرغم من حجم الأموال التى تبرع بها المصريون طوال العام والتى تقدر بعشرات المليارات، إلا أنها غالبا لا تذهب إلى من يحتاجها، لكن لمن يستطيع لعب دور المحتاج.
وربما يكون تعدد الجهات هو السبب، أو عدم وجود قواعد للرقابة والمحاسبة مما يؤدى لإهدار نسب كبيرة منها، وأغلب ما تقدمه هذه المؤسسات لا يتناسب مع جم ما تحصل عليه، الأمر بحاجة إلى نظر ودراسة، وضبط حتى يمكن توجيه تبرعات وأموال الخير لمن يستحقها، وليس لمن يحترف ويمثل أنه يستحقها.