للعبادات فى الإسلام أثر كبير يعود على النفس وعلى المجتمع، ما من عبادة فى الإسلام إلا ولها أثر يتجاوز الحالة الفردية، حتى العبادات التى يظن بعض الناس ببادى الرأى أنها لا تتجاوز حدود المكلف، لها أثر اجتماعى غير مباشر، يكفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصر غاية البعثة المحمدية فى إتمام مكارم الأخلاق، وهل يعقل ألا يكون لقضية السلوك والأخلاق أثر إصلاحى اجتماعى جماعى؟ ويأتى شهر رمضان الكريم ليعكس أرقى درجات البذل والعطاء والتكافل الاجتماعى وتقوية الصلات التى تقضى على ظاهرة الطبقية فى المجتمع، اقتداء بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخارى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»، لذلك اعتاد كثير من الناس إخراج زكاة المال مع زكاة الفطر فى رمضان، واعتادوا أيضًا توزيع المواد الغذائية وبذل الصدقات للتوسعة على الفقراء والمحتاجين، وأيضا التبرع للمؤسسات الخيرية التى تعمل على مساعدة المحتاجين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن هذه المجتمع كسفينة تمخر فى عرض البحر فإما أمن تنجو بالجميع وإما أن تغرق بهم جميعا، ومن أشد المهلكات لأى مجتمع استئثار ذوى اليسار ممن أنعم الله عليهم بنعمة المال، وحرمان الفقراء والمحتاجين ومن ضاقت بهم سبل العيش من حقوقهم التى كتبها الله لهم صيانة لكرامتهم وحفظا لأمن المجتمع وسلامته، فإن بعض ضعاف النفوس ممن عضهم الفقر، قد يسول لهم الشيطان كثيرا من الجرائم تحت ضغط العوز والفقر، ومن يستعفف يعفه الله ويغنيه، والصدقة بلا أدنى ريب باب عظيم من أبواب تفريج كربات الباذلين من أصحاب الأموال، وكان من عادة الصالحين عند دعاء الله تعالى تفريج كرب إنسان مكروب بتقديم الصدقات، ليكون ذلك سببا فى استجابة الدعاء، وقد أشار الله تعالى بقوله: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُم»، إلى ما للصدقة من تهذيب النفس وتنقيتها من أمراض الشح والبخل والأثرة وحب الدنيا والركون إليها ركونا يفضى إلى منع وهضم حق الفقراء والمساكين، والغفلة عن قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم»، فلا يستوى عند الله تعالى من علم أن مالك المال هو الله تعالى وأن المال عارية مستردة عنده، وبين من أمسك وبخل واتبع شحه وهواه، وقال كما قال قارون من قبل «إنما أوتيته على علم عندى»، ونسى أن الإنسان مجرد مستخلف فى نعم الله تعالى، كما روى مسلم عن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ». والتكافل الاجتماعى نوع من أنواع ممارسة المسؤولية الإصلاحية تجاه المجتمع، فليست مسؤولية الإصلاح من عمل الدولة أو الحاكم وحده، فإن أكبر خلل فكرى يعانى منه المسلمون الآن هو اعتقاد بعضهم أن عبادة الله تعالى هى قضية فردية لا علاقة لها بالإصلاح الاجتماعى، ولا يتجاوز أثرها الشكل والمظهر الخارجى، وقد تسبب هذا الاعتقاد الخاطئ فى خطأين كبيرين؛ الأول: تشويه صورة الإسلام بالممارسات التى لا تمت إليه بصلة كالغش والكذب والفساد والشقاق وسوء الأخلاق مع التمسك بظاهر من الدين. والثانى: ما روجت إليه جماعات الضلال السياسى - وأنزه كلمة الإسلام عن وصفهم بها – من أن قضية الإصلاح الاجتماعى هى قضية الحاكم وحده، وأن محاربة كل الأمراض الاجتماعية الموجودة فى كل المجتمعات كالمرض والجوع والبطالة وتدنى مستوى الخدمات، هى فى المقام الأول قرار سياسى وليست من المسؤولية الاجتماعية فى شيء، وهذا الاعتقاد الخاطئ، لا وجود له فى أى عقد اجتماعى على مستوى العالم ولو كان قبليا فى أية حقبة من أحقاب التاريخ، فضلا عن أن يكون فكرا إسلاميا إصلاحيا مستمدا من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.