بداية، هذا المقال لن يرضى جميع الأطراف، سيغضب فريقًا، وسيرضى فريقًا آخر من طرفى المشكلة، أما الغالبية الكاسحة من الشعب المصرى فمن حقها علينا أن تعرف الحقيقة بعيدًا عن المزايدات وطنطنة الكلمات، وفى النهاية لا يهمنى إلا أن أرضى ضميرى المهنى والأخلاقى والوطنى فقط.
التقييم الموضوعى لـ«الأزمة التى ليس لها لازمة»، يتطلب الارتكان للعقل، والاستعانة بكل أدوات المنطق، بعيدًا عن الحشد الفئوى، والمشاعر الشخصية، وصراع الإرادة بين جميع الأطراف، وأغراض وأهداف الحركات الفوضوية والجماعات المتطرفة لتوظيف القضية لصالحها، وبعيدًا عن خصوم مجلس نقابة الصحفيين لإظهاره فى موقف الضعف من أجل اكتساب أرضية انتخابية، وبعيدًا عن خصوم وزارة الداخلية الذين وجدوا ضالتهم لتوجيه الخناجر المسمومة فى ظهرها، تعالوا نؤكد 5 حقائق مهمة.
الحقيقة الأولى: وزارة الداخلية ارتكبت خطأ جسيما فى عدم قراءة المشهد بشكل جيد، ولم تتدثر بالعباءة السياسية، وافتعلت أزمة كبيرة «من غير لازمة» بالقبض على صحفى وعضو نقابى وهو الزميل عمرو بدر داخل مبنى النقابة، وكان يجب عليها أن تعلن بشكل رسمى فى بيانات رسمية واضحة نتائج المخاطبات بينها وبين نقيب الصحفيين ومجلس النقابة، التى استمرت ثلاثة أيام، أولاً بأول، لتضع مجلس النقابة أمام مسؤولياته، وعلى الجماعة الصحفية، ومن قبلها الرأى العام، الحكم الفصل.
الحقيقة الثانية: مجلس نقابة الصحفيين ارتكب من الأخطاء فى الفترة الأخيرة الكثير، سواء فى حق المهنة، أو فى تشويه الجماعة الصحفية أمام الرأى العام، عندما سمح بتسييس النقابة، والسماح لليسار والنشطاء باختطافها، بعدما اختطفتها جماعة الإخوان لسنوات، فألقت بها فى بئر التصنيف السياسى، وسارت عكس اهتمام الإجماع الشعبى، وأثارت حفيظته، فأصبح السخط الشعبى عارمًا ضد الإعلام بكل أشكاله وتصنيفاته، وفقد الناس الثقة فيه، وهنا الكارثة الحقيقية.
مجلس النقابة أخطأ عندما أوى شخصا ليس صحفيا، وليس عضوا بنقابة الصحفيين، وهو مطلوب جنائيا، وهو «محمود السقا» الذى إذا قرر أى مواطن أن يتصفح حسابه على «فيس بوك» فسيصاب بصدمة مدوية، من كم الشتائم والدعوات لإثارة الفوضى والتخريب التى ينادى بها، والمصيبة أن مجلس النقابة برر موقفه بأنه «صحفى تحت التمرين»، وهو تبرير بعيد عن الحقيقة.. مجلس النقابة أيضًا، ومن خلال تحويل مبنى «النقابة» إلى منبر سياسى، ارتضى عن قصد أن يضع نفسه فى دائرة التصنيفات السياسية، وكرس كل جهوده فى مساندة ودعم جماعات وحركات تطلق قذائفها ضد مؤسسات الدولة وفى القلب منها «القوات المسلحة والشرطة» واكتسبت عداوة غير مبررة، وأعطت ظهرها تمامًا لأعضائها وأحقيتهم فى الحصول على خدمات مميزة من علاج ومعاشات وبدل ومصايف وإسكان، وغيرها من الخدمات المهمة.
الحقيقة الثالثة: الرأى العام يترقب عن كثب، وأظهرت الساعات الأولى من دخول الشرطة مبنى النقابة للقبض على الزميل الصحفى عمرو بدر، والناشط محمود السقا، تنفيذًا للقانون، تأييدًا كاسحا للقرار، وهجوما ضاريا ضد الجماعة الصحفية، مرددين سؤالا صعبًا ومعقدًا: «هل الصحفيون والإعلاميون على رأسهم ريشة ودولة داخل الدولة؟»، السؤال باطنه محشو بالمرار، لأنه يعكس حالة فقدان الصحفيين ثقة الغالبية الكاسحة للرأى العام من ناحية، وخصمًا من رصيد الهيبة والاحترام، من ناحية ثانية، وهو ما وضعنا فيه مجلس النقابة الحالى الذى أظهر قدرًا كبيرًا من العجز الإدارى، ومن باب إغلاق المزايدات، أنا كنت من أبرز الداعمين للنقيب الحالى يحيى قلاش، وأعلنها وبكل ألم: نادم على هذا الدعم.
الحقيقة الرابعة: هل القرار من الناحية القانونية صح أم خطأ؟ وأجاب المحامى الأشهر رجائى عطية عن هذه النقطة، مؤكدا أنه قانونى مائة فى المائة.
الحقيقة الخامسة: هل نقابة الصحفيين ومن قبلها نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين وغيرها من النقابات، تعلو قدسيتها على قدسية الكعبة المشرفة، وهل إرادتها أقوى من إرادة الدولة؟ لأن هناك نعرة خسائرها أكبر من مكاسبها تقول إن للنقابات قدسية كبيرة، ولا يجب اقتحامها، وهو مبرر منقوص لا يمكن قبوله بسهولة، إذا وضعنا فى الاعتبار أن الكعبة اقتحمها الحجاج بن يوسف الثقفى، وهاجمها بالمنجنيق عقب لجوء الصحابى الجليل عبدالله بن الزبير إليها، وقيل حينذاك إن جزءًا من الكعبة احترق، وفى عصرنا هذا هاجم الأمن السعودى المسجد الحرام وقتل «جهيمان» وأتباعه الذين أغلقوا أبواب المسجد واحتجزوا المصلين، وهو ما دفع القوات السعودية لاقتحامه وتصفيته وقتل عدد كبير من أتباعه والمحتجزين أيضًا.