مرت مصر بتحولات شديدة خلال العشر سنوات الأخيرة، والراصد للمشهد المصري يستطيع بوضوح أن يفرق بين ثلاث منحنيات الأولى ما قبل 2011، والثانية ما بين 2011 وحتى منتصف 2013، والمرحلة الثالثة منذ ثورة يونيو 2013 وحتى وقتنا الحالي.
ما قبل 2011 شئنا أم أبينا كانت هناك حالة من الترهل الشديد والفساد الناخر في مفاصل الدولة، ولم يكن يخفى على أحد أن النهاية قد باتت وشيكة، وأن التحرك كان ضرورة للحفاظ على الدولة من الانهيار، ورغم التحذيرات الشديدة لم يكترث صانعوا القرار باتخاذ الخطوات الواجبة نحو رأب الصدع الذي حدث في الشارع المصري وقتها.
ومن 2011 وحتى 2013 كانت اللحظات الصعبة التي أكتشف فيها الشعب المصري حقيقة التيارات المتشددة المستترة، التي استغلت تطلعات غالبية الشعب المصري نحو خطوات إصلاحية حقيقية في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة. واكتشف الشعب مخططات التقسيم وظهرت حقائق صادمة عن جماعات كانت تحيا بين أبناء الوطن الواحد تسعى لتقسيمه وتفتيته، وتبحث عن تحطيمه.
ومن ثورة 30 يونيو 2013 وحتى وقتنا الحالي كانت المرحلة الأصعب والأكثر خطورة في الثلاث مراحل، إنها مرحلة البناء والمقاومة. مرحلة إعادة بناء الوطن كما يطمح أبناؤه، ترتيب البيت المصري، استعادة رونق الدولة ومكانتها المعهودة، محاولة لم الشمل العربي الذي تمزق على صخرة التشدد والارهاب. وبجانب البناء تأتي المقاومة الباسلة للحفاظ على الوطن ووحدة وسلامة أراضيه، التصدي لمخططات التقسيم، مجابهة رغبة الانتقام نتيجة فشل السيطرة على الدولة المصرية، تحطيم طموحات العدو الرامية لحرق الوطن.
لا أظن أن غالبيتنا لم يعي ماسبق، ولا أعتقد أن الأجيال التي عاشت تلك الحقبة لا تفهم كافة تداعياتها. لكن ما الغرض من سرد نفس القصة أو استرجاع تلك الذكريات؟. الحقيقة أن البعض تناسى ما مرت به مصر، ولم يعد يكترث بحالة الصراع الدائر، ولا بقدسية المقاومة وضرورة الانتباه لما يحاك لنا من أعدائنا. قد تتنوع الأسباب كالتقلبات الاقتصادية الشائكة التي يمر بها العالم، أو الانشغال بالأحداث العالمية وتداعياتها الشديدة، وقد يكون الانهماك وراء البحث عن قوت اليوم ولقمة العيش، وقد يكون انحسار الشغف حول المتابعة، وقد يكون الفتور.
إن هذه الأسباب مجتمعة وغيرها كفيلة بأن نذكر بعضنا البعض، بأن نسترجع روح المقاومة مرة الأخرى. وحتى لا ننسى فالمخططات لم تنتهي والخطر مازال قائماً والأعداء لم يكتفوا بما ارتكبوه من جرائم في حق شعوب المنطقة بأسرها. إن دائرة الانتقام ماتزال مشتعلة برغبة الانتقام من مصر التي استطاعت أن تحطم خطط تقسيم المنطقة على صخرة صمودها. إننا لا نزال في ذروة الصراع، وليست الأحداث الدائرة حولنا منا ببعيدة.
إن روح المقاومة لا يجب أن تتوقف عند حدود ظاهرية أو وقتية، لا يجب أن تتحول لنوع من أنواع التعاطف مع مشاهد درامية أو قصص بطولية تأخذ وقتها وتنتهي. إن استدعاء روح المقاومة والنصر تتطلب منا جميعاً اليقظة والانتباه، أن نستمر في بناء وطننا كلاً في موقعه، أن نعلم أعدائنا داخلياً وخارجياً، أن ننتبه للشائعات ومثيري الفوضى، أن نفرق حقاً بين من يريد الإصلاح ومن يريد الإفساد، أن نوقن بأن النصر في معركة البقاء مرهونة بقدرتنا على الصمود تجاه قوى الشر. كل هذا حتى لا ننسى.