هناك أفكار مهما تتحدث عنها لن تستطيع أن تصل إلى رأى قاطع فيها، منها ما يسمى فى بعض البلدان بـ"الموت الرحيم" وهى فكرة مفادها أن يختار الإنسان الموت، بسبب ظروف خاصة به، ولأنه لا يستطيع الانتحار يتقدم بطلب إلى المحكمة بالسماح لبعض الأشخاص فى مساعدته فى تنفيذ هذا الأمر.
ما أريد أن أتحدث عنه، ليس شرعية الفكرة أو حتى موافقتى لها أو رفضى، فالأمر أكبر من رأى متسرع أقوله، أو رأى يعجب من يقرأ المقالة أو لا يعجبه، فالأمر معقد بالفعل، لكن ما شغلنى هو شغف السينما العالمية بهذا الأمر، فقد شاهدت بالضبط 3 أفلام تدور حول هذا الموضوع ومن ثقافات مختلفة، غربية وشرقية، لكن يأتى على رأس كل هذه الأفلام الفيلم الأسبانى الشهير "البحر فى داخلى".
حصل فيلم "البحر فى داخلى" بطولة الفنان القدير "خافير بارديم" على أوسكار أفضل فيلم أجنبى فى عام 2005، والفيلم يستوحى مشاعر حقيقية للشاعر (رامون سامبيدرو )الذى أصدر ديوان شعر واحد فى حياته و تعرض لإصابة فى الرقبة أدت به إلى الشلل والمكوث طريح الفراش 27 سنة، لا يتحرك فيه غير رقبته ووجهه، فاعتبر الحياة بهذه الطريقة بلا كرامة وكانت قضيته طلب الموت، فى حين لم توافق السلطة التشريعية على طلبه، لأن الحياة ملك للرب، لكن (رامون) لم يوافق على هذا فخرج للإعلام ليقول بأنه بكامل عقله ويطلب المساعدة فى تحقيق رغبته مناشداً المحكمة فى السماح لشخص ما بمساعدته على الموت دون أن يصدر عليه حكم القتل، ولم توافق المحكمة، لكنه أصر على قوله: إن الحياة التى تكلف الحرية ليست حياة!
الرسالة الأخيرة من رامون قبل موته قال فيها:
"أيها القضاة المحترمون والسياسيون والسلطات الدينية...
ما معنى الكرامة؟
بغض النظر عن جواب ضميركم لقد تأكدت بأن حياتى بلا كرامة،
كان الوقت يمر رغماً عنى، والآن سيكون حليفى، فأردت أن أموت بكرامة على الأقل".
ما أعجبنى فى الفيلم بقوة هو التركيز على المشاعر، على العلاقة داخل العائلة، عن المحبة بينه وبين أخيه وابن أخيه، نعم هم فقراء ولا يملكون الكثير لكنهم يرفضون الموت، يجلس الأخ وحده يبكى، ويرفض أن يودع شقيقه الذاهب إلى الموت.
أما الفيلم الهندى Guzaarish فإنه ينظر إلى الحكاية بشكل مختلف بعض الشىء، يعلى من قيمة "اليأس" فالفيلم يحكى عن مأساة شاب أمضى 14 عاماً سجيناً فى جسده المشلول، غير قادر على الحركة، يعتمد على ممرضته "صوفيا" فى أبسط شؤون حياته، تعتنى بنظافته الشخصية ومأكله و تقرأ له الجرائد و تساعد على حب الحياة، لكنه ييأس، واليأس غير الكرامة بالتأكيد، هذا إضافة إلى بعض المبالغة فى الآداء.
فكرت فى الفيلمين لأننى شاهدت مؤخرا الفيلم الأمريكى Me Before You عن فتاة تعمل فى خدمة شاب ثرى كان نموذجا للانطلاق والحيوية لكن بسبب "حادث سير" فقد كل شىء، وفى الوقت الذى يبدأ الحب فى أخذ مكانه تأتى المطالبة بالموت لتقول كلمتها.
ربما هذا الفيلم أكثرهم بهجة من وجهة نظرى، فالفتاة استطاعت أن تجعلك تسأل: كيف يفكر فى الموت فى وجود كل هذه الحيوية حوله، لكن "الثراء" الذى كان يعيش فيه الشاب خرج بالفيلم من "جوهره" للتفكير فى مصير الأشياء وليس مصير الأشخاص فقط.
حتما هناك أفلام أخرى عن هذا الموضوع، لكننى لم أشاهدها بعد، وهذه الأفلام الثلاثة دعتنى للتفكير فى أن شغف السينما بهذا الموضوع ليس أمرا عاطفيا، إنها إشارة إلى فكرة "كامنة تحت الجلد" عند العالم كله، يصدقها البعض، بينما يظل آخرون يتحاشونها.