أينما وليت وجهك ستجد عشرات الطائرات الورقية تزين سماء القاهرة، بما يكشف قدرة الإنسان على الاستمرارية والرغبة العظيمة فى الخروج من الأسر الذى يفرضه العالم على سكانه، فعندما تضيق الأرض بسبب انتشار وباء كورونا لا يجد الإنسان سوى أن يحلق مع طائرته الورقية فى السماء.
رأيت فى الطائرة الورقية رسائل كثيرة، ففى ألوانها بهجة، تشير إلى أن الظلمة التى انتشرت فى العالم كله يمكن مقاومتها بقليل من المتعة، ويمكن الوقوف فى وجهها بتشجيع الروح ألا تستسلم رغم الظروف.
رأيت فى الطائرة الورقية محافظة على التراث، بما يفيد بأنه فى وقت الأزمات نرجع إلى "الأصل"، ولعل الجميع لاحظ معى أن حجم الطائرات المحلق فى السماء هذه المرة أكثر من السنوات الكثيرة بمراحل، ففى آخر سنوات كادت هذه الهواية أن تنقرض.
رأيت فى الطائرة الورقية عودة للطبيعة، وفى رأيى العودة هى الحل، والطبيعة ليس معناها (الماء والخضرة أو حتى طبيعة النفس) لكن ما أقصده هو أثر الطبيعة، أن يرى الإنسان فى الأشياء البسيطة فرحة، وأن يتعامل مع هذه الفرحة بأنها "مهددة" لذا يستمتع بها فى وقتها، لا داعى للتأجيل كى تكتمل الأمور، بل يستمتع بما هو متاح بين يديه.
رأيت فى الطائرة الورقية "تحديا" لمفهوم "العمر"، فمعظم الذين يطيرون طائراتهم الورقية ليسوا أطفالا ولا حتى فتيانا، لكنهم شباب ورجال لم يتخلوا عن الطفل الساكن فى أعماقهم، لذا فإن أعمارهم قد طالت بالفعل، عندما حافظوا على هذه الطفولة.
ولأجل كل ما سبق، وغيره مما لم يتضح لنا، نقول عاشت الطائرة الورقية حرة محلقة فى سماء الإنسانية حامية لطفولتنا ومحافظة على ما تبقى من أرواحنا الراغبة فى الانطلاق.