"أعز أيامك ايه يا جحا؟ قال لما كنت أعبى التراب فى الطاقية".. المقصود من هذا المثل الشعبى أنه حينما كان يلعب خالى البال مستخدماً التراب فى اللعب، وهو ما تذكرته عندما شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعى فيديو خاص استغل خلاله أب الحظر الذى نعيشه حاليًا بسبب تفشى فيروس كورونا المستجد، وقام بتعليم ابنته بعض الألعاب الشعبية التى تربينا عليها فى الصغر مثل "نط الحبل" و"الأولى" و"الطيارات الورق" التي نراها بكثافة في سماء القاهرة هذه الأيام، وغيرها من الألعاب الأخرى.
بكل تأكيد أن مثل هذه الألعاب هى جزء لا ينفصل عن التراث الشعبى الذى ساعد على تقدم البلاد دون ضياع هويتها، فى ظل خطر العولمة الذي يهدد الشارع العربى، وعلى الرغم من اختلافها فى الشكل والمضمون، واختلافها من عصر إلى آخر، إلا أن هدفها كان واحد وهو خلق عقل رياضي يرتكز على التفكير والابداع، من خلال تعلم الطفل كيفية أن ينتج اللعبة بنفسه، كما أنها تساعد كثيراً على إفراغ طاقة الطفل بشكل كبير في شيء إيجابي، مما تساعد على نشأته نشأة صحية وسليمة.
كان من المحزن جدًا أنه مع التقدم التكنولوجى الهائل أصبحت الألعاب الإلكترونية بديلة عن هذه الألعاب، ولما لها من آثار سلبية كتهديد الطفل بالإنعزالية والوحدة والإنطواء، إذا كان هنالك استعداد لذلك، لأنها تخلق للطفل عالم افتراضي خاص به وتبعده عن العالم الواقعي، ويجد الطفل صعوبة في إقامة علاقات اجتماعية سوية مع البشر، وقد يصل الأمر لدى البعض إلى الإدمان الحقيقي.
طبعًا معظم الأجيال الحالية لا تعرف شيئًا عن الألعاب الشعبية، فمثلًا إذا ذكرت ألعاب أمام طفلك مثل الاستغماية و"الأولى" أو "الحجلة" كما يقول البعض، وعلى العالى وعلى الواطى، وألعاب الكازوز والسيجا والتحطيب-أي التبارز بالعصى-، ستجد هناك حالة كبيرة من الاستغراب لديهم، فهم لا يعرفون سوى التوحد مع البلاى ستيشن وألعاب الموبايل وهى الألعاب التى باتت تمثل خطراً كبيرًا على أبنائنا، خصوصًا أنها تغتصب أفكارهم وتمنعهم من الإبداع والابتكار، على عكس ألعابنا القديمة فى الحوارى والقرى بالأرياف من بحرى إلى الصعيد.
ما فعله الأب الذى يتذكر مع ابنته الألعاب الشعبية، يجعلنا جميعًا نفكر في حذو نفس الفكر مع أطفالنا واستغلال ليالى الحظر ووجودنا مع أبنائنا أكبر قدر ممكن من الوقت في تعليمهم هذه الألعاب، حتى نفتح أمامهم آفاق جديدة من الإبداع والتسلية والترفيه والنضج.
الخلاصة هنا تقول: الأطفال يحتاجون إلى تكوين قدراتهم المختلفة الاجتماعية والبدنية والعقلية والنفسية، وإعداده لمهامه التى سيقابلها في الحياة عندما يكبر، وكل ذلك يتفجر من الألعاب الشعبية القديمة، وهو ما كان يحصل عليه الكثير منا فى غياب الألعاب التكنولوجية، لذا فمن الضروري تعريف الأجيال الجديدة بهذه الألعاب، وتحديدًا خلال هذه الفترة التي نعانى فيها من وطأة الأخبار غير السارة عبر شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعى بسبب وفيات وإصابات فيروس كورونا.