فصل جديد من فصول الدبلوماسية المصرية الأقدم في المنطقة منذ استقلال مصر، يواصل فيه السفير صلاح ذكي روايته لي في مذكراته "عشت حرائق بيروت" قائلا: وكان لابد من دور مصرى فى تلك المرحلة الدقيقة من عمر لبنان والأمة العربية. حيث صدرت التوجيهات من القاهرة للبعثة المصرية فى بيروت فى عام 1981، بتعزيز العلاقات مع كافة الطوائف اللبنانية. وكانت مصر لها كلمة مسموعة ومرحب بها بين الجميع.
وقد عبر ت كثير من القيادات السياسية فى ذلك الوقت لي عما يدور فى لبنان، فقد ألقت القيادات السنية باللوم الشديد على سوريا وعلى المنظمات الفلسطينية التى تقوم بعمليات لاتأثير لها على إسرائيل وتعرض الشعب اللبناني لمخاطر جسيمة، أما فى الجانب المسيحي، فقد كان الشيخ بشير الجميل رئيس حزب الكتائب، يرى خطورة الوضع نتيجة التصارع الداخلي فى لبنان الذى سيمكن إسرائيل من التأثير المباشر على الوضع اللبناني، فتتصرف وتتحكم وتقوم بماتقوم به من اعتداءات على الأراضي اللبنانية.
كما ألقى الجميل باللوم على سوريا التى كانت تعتبر لبنان جزءا منها .
أما الرئيس كميل شمعون رئيس حزب الاحرار وقتها فقد كان يحمل على الدور السوري والدور الفلسطيني بمثل ماتحدث به رئيس حزب الكتائب . أما مجموعة الموارنة المستقلين ، كان من بينهم إلياس الهراوى الذى أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية، فكانت لاتتفق مع توجهات الكتائب اللبنانية ولا الشمعونيين ولا مع التدخل السورى، وكان يرتكز توجههم على وحدة لبنان، وضد كل التدخلات الخارجية فى الشؤون اللبنانية.
على عكس ذلك كانت حركة أمل الشيعية تساير الخط السورى وتستمد دعمها من دمشق. ولم يكن حزب الله اللبناني قد مكن قواعده بعد.
وفي الجانب الدرزى فقد كان توجهه بزعامة وليد جنبلاط مماثلا للقوى الداعية ضد الهيمنة السورية ومع لبنان المستقل الموحد. لكن دروز لبنان لم يخفوا حذرهم من مطامع حزب الكتائب اللبنانية فى منطقة نفوذهم بالجبل.
أما فى الجانب الفلسطينى فبعد خروج الفصائل من عمان العام 1970تركزت قواها الرئيسية على الأراضي اللبنانية وأصبحت قوة تقتسم مناطق النفوذ داخل لبنان فى محيط يكثر فيها العداء لها داخل وخارج لبنان وفى الوقت الذى تريد أن تبرز فيه استمرار القضية، اشتعلت الجبهة الجنوبية بينها وبين إسرائيل مما زاد من اشتعال التوترات بين الأطراف اللبنانية، وأصبح لهذه التوترات ردود فعل إقليمية ودولية مكنت لاسرائيل استغلالها لتعطى لنفسها الحق أمام المجتمع الدولى ومنظماته للتدخل وضرب لبنان، وخروج المنظمات الفلسطينية من لبنان والقوات السورية من جنوب لبنان فكان الغزو الاسرائيلى للبنان فى يونيو 1982.
وفى 23 أغسطس 1982 تم انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية لأنه كان المرشح الذى فرض نفسه داخل الجبهة المارونية . ولم يستمر سوى أيام معدودة فقد تم اغتياله فى 14 سبتمبر فى مقر الكتائب اللبنانية وفى اليوم الثاني لاغتياله وأثناء تشييع الجنازة ، ألقى شقيقه الشيخ أمين الجميل خطاب تأبين حماسى قوى اعتبره اللبنانيون بمثابة برنامج انتخابى وعد فيه الكتائب اللبنانية بالسير على نهج بشير الجميل . وخاطب القيادات الإسلامية مؤكدا أنه سيعمل على طريق الوحدة اللبنانية وجلوس الفرقاء على مائدة وفاق وطنى فى ظروف دقيقة وخطيرة .
وفى 21 سبتمبر انتخب الشيخ أمين الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية بأغلبية شبه جماعية نسبة 77 %من 80 % ممن صوتوا منعا لاندلاع حرب أهلية لاهوادة فيها .
وكان الجميل يريد وضع حد للنفوذ والتواجد السورى فى لبنان، وأن يكتفى بعلاقات خاصة مع سوريا، كما كان يحتاج لبعض الوقت للسيطرة على القوات اللبنانية ليعمل بعدها على نزع سلاح الميليشيات وتقوية الجيش اللبنانى الموحد ليضم عناصر من جميع الطوائف والحركات اللبنانية . كما كان يريد نشر عناصر الجيش الموحد فى جنوب لبنان . بعد خروج الجيش الاسرائيلى من لبنان وتوقيع اتفاق 17 مايو معها للانسحاب من لبنان ، لكن الوضع المحيط بلبنان ونمو حزب الله السريع والمضطرد بعملياته الواسعة لم يتركا له مجالا واسعا ليتم مشروعه الوطني الطموح. وللحديث بقية.