تجولت في كثير من الدول العربية والإسلامية، وعملت في بعض دول الخليج لسنوات، وكنت أرى لافتة كبيرة معلقة في بعض البنايات الحكومية، تحمل جزءا من الآية 110 في سورة آل عمران "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"، وفي ديسمبر 2014 كلفنا رئيس مجلس النواب البحريني الشيخ خليفة الظهراني الذي كنت أعمل مستشارا له ومتحدثا باسم المجلس (2012-2015)، ومعي غازي عبد المحسن " أبو نزار" مدير إدارة العلاقات العامة بمرافقة النائب البريطاني أفزال خان عضو مجلس العموم عن مانشستر وهومن أصل باكستاني، اثناء زيارته للمنامة، بصحبة سكرتيرته كاثرين زان. وعندما دخلنا إلى بيت القرآن وهو مركز ثقافي يحتوي نسخا ومخطوطات للقرآن الكريم، توقف النائب خان أمام تلك الآية قائلا: هل الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس؟ أنا مثلا بريطاني مسلم وولائي لبلادي التي أمثلها ولو دخلت في معركة مع دولة إسلامية سأقف مع بريطانيا بالقطع.
لقد كان السؤال صادمًا لي في البداية، وكنت توقعت أن يسألني الأسئلة المعتادة للضيوف الأجانب: عن العلاقة بين الشيعة والسنة مثلاً، ولماذا قاطعوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ لكنني بادرته قائلاً: هل تسمح لي أن نؤجل الإجابة على سؤالك إلى الغداء؟ نظر خان إلى كاثرين ثم أشار إليّ بالموافقة، وأكملنا جولتنا في بعض الأماكن التاريخية، مثل متحف البحرين الوطني، ومركز الشيخ إبراهيم محمد الثقافي بالمحرق، وصرح الميثاق الوطني بالرفاع وختمنا الجولة بقلعة البحرين بضاحية السيف، ثم اتجهنا إلى أحد المطاعم البحرينية بمنطقة البديع للغداء، وابتسم خان مذكرا إياي بسؤاله: هل نحن خير أمة أخرجت للناس؟ وأن هذا السؤال يطرحه البعض من أبناء دائرته غير المسلمين، معتقدين أن تلك الآية تقول بدونية غير المسلمين. قلت: لـ "خان": هذه الآية لا يمكن تفسيرها دون معرفة أسباب نزولها والسياق الذي وردت فيه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس في تأويلها: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، هم الذين خرجوا مع النبي محمد (ص) من مكة إلى المدينة، وقال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: " أنتم "، فكنا كلنا، ولكن قال: "كنتم" في خاصة من صحابة النبي محمد(ص).
وشرحت لـ"خان" أن هذا النص القرآني لم يقدم الخيرية بطريقة مجانية، بل قصد بها مجموعة من المؤمنين ضحت بالجاه والسلطة والثروة في مكة، وهاجرت بلا شىء إلى المدينة، ثم إن إكمال الجزء الآخر من الآية معناه أنفع الناس للناس، أما من تراهم اليوم فهم أمم متناحرة منقسمة على نفسها ومفككة داخليا، تسودها الحروب والصراعات الطائفية والمذهبية والتسلط والتخلف العلمي والتكنولوجي والانهيار الاقتصادي.. فهل نحن حقا خير أمة أخرجت للناس؟