فى البداية، لابد من توضيح نقطة جوهرية، أن مصر لن تقبل أن يكون للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وجود فى ليبيا، فليس من العقل والمنطق أن يجاورنا، من نَصّب نفسه عدوا وقحا، فاقت عداوته لمصر والمصريين، كل عداوة ألد أعدائنا منذ فجر التاريخ وحتى كتابة هذه السطور..!!
ولا يمكن أيضا، أن نترك لخيال أردوغان وحزبه الإخوانى، المريض، أن ينطلق دون سقف، محاولا إعادة التاريخ، ويدشن لزيف إرث أجداده فى مصر وليبيا وسوريا وتونس والجزائر ودول الخليج، ويتعامل مع الأمر باعتباره حقا تاريخيا، لابد من إعادته، ومن ثم فإن وجوده فى ليبيا، مرفوض رفضا باتا.
جيش مصر، عقيدته القتالية، دفاعية بالدرجة الأولى، فهو يدافع عن الوطن وأمنه القومى بمفهومه الشامل، ولم يكن يوما جيشا غازيا، أو محتلا، ومن المعلوم بالضرورة أن ليبيا الشقيقة، هو امتداد للأمن القومى المصرى، ومن ثم فإن مواجهة جيش هذا الأردوغانى "المشلح" فقه الضرورة، فهو الذى جاء إلى ليبيا دون وجه حق، معلنا عداءه لمصر، فلابد من مواجهته و"مرمطته".. فواضح أن الجيش التركى اشتاق لـ"المرمطة" على يد الجيش المصرى.
تعالوا نتذكر البداية، عندما اندلعت ثورة ضد الحكم العثمانى عام 1824 وطلب حينذاك السلطان العثمانى من محمد على التدخل لإخماد تلك الثورة التى انطلقت شرارتها فى الحجاز واليونان، وأسدى له وعدا أنه فى حالة نجاحه سيمنحه حكم الشام، وافق محمد على، ودفع بجيش مصر تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا للقضاء على الثورة عام 1824، وبالفعل نجح فى ذلك، لكن السلطان العثمانى تنصل من وعده، ومنحه جزيرة كريت فقط، فقرر محمد على أن يستولى على حكم الشام بالقوة، زحف جيش مصر على الشام عام 1831 وبالفعل حاصر عكا، المحصنة بأسوارها العالية، ونجح فى احتلالها، وسيطر على فلسطين، ثم دمشق، ثم التقى الجيش العثمانى من جديد عند «حمص» ولقنه درسا لا يُنسى، واستولى على حمص وباقى المدن السورية.
لم يكتفِ الجيش المصرى بكل هذه الانتصارات، وإنما زحف نحو الأناضول لمطاردة العثمانيين، وعندما علم السلطان العثمانى بخطة الجيش المصرى، قرر تجهيز جيش كبير لملاقاته، وأسند قيادته لأبرز رجاله «رشيد باشا» وتلاقى الجيشان بالفعل فى معركة قوية بالقرب من «قونية» التى تقع فى قلب الأناضول، وسحق الجيش المصرى نظيره العثمانى، وأسر قائده رشيد باشا، وأصبح الطريق إلى إسطنبول مفتوحا، وارتعد السلطان واستنجد بالدول الأوروبية لنجدته من المصريين، فتدخلت فرنسا وبريطانيا وروسيا وأقنعوا الجانبين بعقد صلح كوتاهية عام 1833، وبموجبه اعترفت الدولة العثمانية بولاية محمد على باشا على مصر والسودان وكامل الشام «سوريا ولبنان وفلسطين والأردن» وكريت والحجاز.
وكالعادة لم يحترم السلطان العثمانى اتفاقه، وبدأ فى تحريض أهل الشام ضد مصر، وأشعل فتن الثورات فى مختلف أرجائها، وبدأ فى تجهيز جيش كبير لطرد المصريين من الشام بحجة نصرة الثورة السورية عام 1839 بقيادة حافظ، فأمر محمد على باشا ابنه إبراهيم باشا بمهاجمة الجيش العثمانى، وبالفعل هجم الجيش المصرى على الجيش التركى والتقيا فى معركة فاصلة من أشهر المعارك فى التاريخ وهى معركة نزيب «نصيبان»، وانتصر الجيش المصرى وهزم الجيش التركى هزيمة منكرة، وتسرد بعض الروايات التاريخية أن الجيش المصرى أفنى كل الجيش العثمانى فى تلك المعركة وأسروا ما يقرب من 15 ألف جندى وضابط، واستولوا على كل الأسلحة والمؤن، وعندما بلغ السلطان العثمانى أمر الهزيمة المنكرة وفناء جيشه مات حزنا، ولم يكتفِ الجيش المصرى بسحق الجيش العثمانى، وإنما حاصر إسطنبول، واستسلم الأسطول التركى لمصر فى الإسكندرية، وأصبحت الدولة العثمانية بلا سلطان أو جيش أو حتى أسطول، وهو الأمر الذى أزعج الدول الأوروبية الكبرى من قوة وخطورة الجيش المصرى، فعقدوا مؤتمر لندن عام 1840 وأجبروا محمد على باشا على قبول قرارات المؤتمر، وأنقذوا الدولة العثمانية من الانهيار، وأطلقت الصحف البريطانية والفرنسية على جيش مصر لقب «جيش الفلاحين الذى لا يقهر».
من خلال هذا السرد المبسط والمعتمد من كتب ودفاتر التاريخ، تتكشف حقيقة ساطعة سطوع الشمس فى كبد السماء، أن الجيش المصرى كان يحارب بشرف، ودحر العثمانيين، وأعطاهم دروسا كبرى فى الفنون العسكرية، بينما الجيش العثمانى، كان ينتصر على خصومه بالخيانة والغدر وشراء الولاءات!!
إذن، ومن الواضح أن الجيش الأردوغانى، اشتاق للمرمطة من جديد، والجيش المصرى، جاهز، لمرمطته، على أراضى أحفاد عمر المختار.