يعرف التاريخ جيدا أن النفوس التى تكسرها "بيادة" الشاويش، لا تعالجها "حنية" النظام"..صحيح، ولا نتذكر يوما من الذى قال عن مصر أنها دولة بلا مؤسسات، فهى حقا دولة مؤسسات، بل وقد تكون الدولة المؤسسة- بكسر السين الأولى وفتح الثانية- لمفهوم دولة المؤسسات، الخطر الوحيد أن تجلس مطمئنا وأنت تعرف أن هناك "صراعا" بين تلك المؤسسات، وأن مؤسسة الداخلية فوق كل هذه المؤسسات ، تأسيسا من قوتها وتغلغلها فى الدولة بما يمكنها من إقناع المواطن بأنه لا خير فى المؤسسات طالما رفض أن ينضم لتظاهرات"المواطنين الشرفاء" اعتراضا على احترام المؤسسات.
أى شرف وأى مواطنة؟.. هذا الجهاز الأمنى الذى يعادى كل من لا يحمل على كتفه نجوما، يستخدم فى معركته مع نقابة الصحفيين، أساليبا مبتذلة بدأت من الترويج بأن الصحفيون يتعالون عى المجتمع وكأن"على رأسهم ريشة" ووصل الابتذال لأعلى مراتبه، باستخدام 100 مواطن"شريف" يعرفون مصلحة البلد أكثر من الـ90 مليون ، ليتظاهرون كل مرة تأييدا للاستقرار وخزفا على مصلحة البلد، وبالمرة فضحا للعملاء والخونة، وما يعتقده سيادة اللواء رئيس قطاع "المكايدة والشحن الجماهيرى" أنه دهاءاً سياسياً وحشداً مضاداً، يخفى الأمر إفلاسا فكريا وشجاعة غائبة فى مواجهة الأزمات التى تتطلب حصافة وشرف ومرونة بين إنفاذ القانون وروحه.
كان بيد الداخلية أن تتلافى أزمتها مع النقابة بمكالمة هاتفية صغيرة بين الوزير والنقيب، حتى وإن كان الوزير مقتنعا بأن النقابة أخطأت، لكن عقلية الموظفين أبت إلا أن تستخدم عنادها القديم فاشتعلت الأزمة وازدادت اشتعالا بدخول النيابة العامة طرفا فيها، وغاب رئيس الوزراء عن المشهد وهو معذور، حيث كان غارقا فى مشاكل الناس حتى نظارته الداكنة على شواطئ "الغردقة"..لا تنتظروا حلولا أخرى من أحد فالحمى حينما تستعمر جسدا لا تفرق بين الرأس والقدم، ولو كان الفكر مختلفا لكنا تفادينا كل الليالى المظلمة والأزمات الخانقة ومشاهد الظلم فى التاريخ الحديث لهذا البلد.
دائما بين الصحافة والأجهزة الأمنية شعرة متينة من إرث "معاوية" لا يشدها طرف دون أن يرخيها الآخر، الصحافة تحافظ على الشعرة بحثا عن المعلومة والاستقرار المهنى الذى يضمن عدم التوهان فى دوائر الخوف والمطاردة، وأجهزة الأمن تحافظ عليها قناعة منها بأنها ضرورية للشهرة عندما تنشر صور الوزير والضباط وأمناء الشرطة والمجرمين فى الصفحات الأولى، أما بعد 25 يناير فكانت الصحافة هى أول من دعم ضرورة استعادة جهاز الشرطة لقوته وهيبته من أجل تطبيق القانون واستعادة الأمن، فوصلت الرسالة بالخطأ، فبجانب العافية والهيبة استعادت الشرطة الأساليب القديمة والعناد الرخيص وغرور القوة، فأحرقوا كل شعر معاوية ثم قطعوا رأسه.