خرج الطبيب لا ترى منه إلا عيناه خلف نظاراته الطبية، وكان قناعه الطبي يغطي كل وجهه.
قال: خلاص. ادعوله بالرحمة.
لازلت طفلة في أربعيني، اناديه باسمه، ادخل منزلنا كل صباح قبل عملي، احضر النسكافيه واخذه لغرفته وأوقظه.
لازلت أذهب معه إلى بيتنا في المصيف ونفتحه سوياً، قبل مجيء بقية العائلة.
لازلت امارس معه طقوسنا الخاصة بعيداً عن زوجي وابني وأمي وأختي.
لازلت أركب معه السيارة لنتجه للإسكندرية لقضاء مشاويره الخاصة هناك.
لازلت وأنا المرأة المستقلة، أذهب اليه، و دون أن أنطق بكلمة، يمد يده إلى جاروره ليخرج النقود ويعطيني، وأنا أقول لا أحتاجها ( رغم حاجتي لها) و يصر علي.
لازال يومي يكون ناقصاً اذ لم اعبر شارع بيتنا... لأراه ولو للحظات.
لازلت استمد قوتي منه، لا زلت احتاج لكلماته ودعمه و رجاحة عقله، ذلك الطبيب ذو العينان الزرقاوان... و اللاتي لم افهم لما لم تورثني اياها..
يقول الناس عني ذات روح حلوة، لا يعلمون أنها نفخ من روحك.
يقول الناس عني مستقلة، لا يعلمون أنك ارسلتني للخارج من صغري حتى أعافر وأتعلم أن أكون صلبة.
يقول الناس عني جدعة (أوي و الله العظيم) لا يعلمون عن جدعنتك و وقوفك مع الغريب و القريب.
يقولون عني معطاءة، و يااااه كم انا نقطة في بحرك.
من ابنة لأبيها: رجلي الأول، رجلي الأوحد، رجلي الحبيب... توقف الكون يوم رحيلك.
الأبناء لا يتقبلون الخلاص
لا زلت أبحث عنكِ في منزلنا، و انا الرجل الكبير...
لا زلت أحتفل بعيدك كل عام، لا زلت حين يضيق علي الكون أبكي بصمت باحثاً عن صدرك.
لازلت أراكِ أجمل النساء.
لازلت أتمنى أن تكون ابنتي مثل امي.
لازلت اشتهي تلك الاكلات من يديكي
لازلت اظنكِ ستدخلين من الباب عائدة من عملك مرهقة تبحثين عني لتطمئني علي و على يومي قبل اي شيء.
لازلت انكر انكِ رحلت، حتى لو لبست ثوب العقل و القبول امام الجميع، فبيني و بيني انتِ هنا، و لكنكِ مسافرة، و ستعودين... يوماً ستعودين.
من ابن لأمه: لا زلت ابحث عنك بين الجموع، لا زلت ابحث عنك و انا وحدي.
الأبناء لا يتقبلون ال: خلاص.
- لم اعلم كم انت جبل الا حين رحلت.
- لم اعلم معنى السند الا عندما لم اجدك بجانبي.
- فقدت معنى الفخر حين لم اجد عيناك.
- عرفت معنى الخوف حين انجبت اول اولادي.
- عرفت معنى العجز، حين احتجت النصيحة و لم تكن هنا.
- دوما ما كان الفرح ناقصاً، و انا اتسأل كيف سيكون اليوم و انت هنا.
- كان سيأتي يوما اكون انا فيه ابيك، و اعتني انا بك، و ارد لك كل جميلك و كل حنانك و كل عطائك.
من ابن لأبيه: لازالت نصائحك قرأني، فبعد ابوتي علمت، أن بعد أبي لا يوجد أحد.
الأبناء لا يتقبلون ال: خلاص.
- أصبحت أكره الهاتف، بعد أن كان رفيقي الصباحي في تواصلي معكي.
- لا اعرف ماذا ارتدي في هذه المناسبة او تلك، افتقد مستشارتي الحميمة.
- بعد عشرون عاما امومة، لازلت احتاج ان اسألك ماذا فعل عند مرض احد ابنائي.
- تركتِ طفلك المدلل وحيداً، فأبي اطفئ نور عيناه يوم رحلتِ.
- لم تعد للكتب طعم و لا رائحة، و لا صور نرسمها سوياً حين نقرأ، او حين اخبرك عن كتاب جديد، و كيف نختلف و نتناقش....
- لم يعد خيالي واسعاً، فقد انتهت طفولتي و انا في الاربعين.
- اصبحت زيارة منزلنا يوم الجمعة ثقيلة... جداً.... من المفروض ان ادخل بابنا و اشم رائحة بخورك، لا ان اشعلها انا.... ان اتضور جوعاً لحظة اشم رائحة طعامك، لا ان احضره انا.
- بدأت اشعر بنقصان الاكسجين بعد رحيلك، فحتى التنفس صار صعباً.
- اراكِ في يومي، اراكِ فيي... لم اعلم كم اشبهك الا الآن.
- امي: رحلتِ، و لم اتقن وصفتك بعد.
من ابنة لأمها:
لازلت احتاج لاحضانك، لازلت احتاج ان اشم عطرك، لا زلت خائفة.... جداً، منذ رحلتِ.
الابناء لا يتقبلون ال: خلاص.
اكنت في عشرينك، ثلاثينك، حتى ستينك.... فلا زال ابيك ابيك....و لا زالت امك امك.
شكراً.
أخر الكلام:
الرائع ميشيل سامح بيدعي ويقول ( كأنها دعوة والدين):
اكفينا شر حضن بارد مابيضمّش،
وقلب عمره ما بيساعد ولا يحبش،
وشر جرح واحد لكن مابيلمّش.
اكفينا شر الخروج من غير رجوع،
وشر الوقوف في النص من غير مايكمل الموضوع،
اكفينا شر الجوع لناس بتدي بالقطارة،
وشر الخسارة لناس في حياتنا مكسب،
وشر ناس بتكدب وهي بتطبطب،
اكفينا شر المنفوخين على الفاضي وهما في الأصل مقلب.
اكفينا شر وَهم الستر بناس عريانين،
وشر الكسر م القريبين،
اكفينا شر الحنين لكلام عارفينه كدب بس بيريح،
وشر ايد تبان من بعيد بتساعد وهي بتجرّح، اكفينا شر الروح لما بتعجّز،
وقلبنا لابيض الشايب لو على حيطة مايلة هيعكّز،
اكفينا شر احتياجنا لناس حبايب وتتعزز، اكفينا شر عين عاوزة تنام والقلق مصاحبها، وشر قلوب الحزن ساحبها،
اكفينا شر ضحكنا البهتان وعمرنا القلقان وعين الدمع دايما بيغلبها..
آمين