احتفلنا منذ أيام بعيد القيامة المجيد وشم النسيم، ومن قبلهما أسبوع الآلام الذى يحتوى على أحداث وتذكارات كثيرة، تأملت عادات المصريين الاحتفالية، وعلاقتهم التحتية ببعضهم البعض، وكعادتى أعيش تلك الأيام بمسقط رأسى، وتذكرت فى أربعاء أيوب، كان البائع ينادى بصوت ريان: «رعرع أيوب بالشفا يا ناس»، «التف حول البائع الصبية يهتفون: «رعرع أيوب يشفى من المرض يخفف الذنوب»، «هرولت إلى الشارع سريعا كانت طفولتى تركض أمامى، ذلك الصباح اقتربت من الصبية، وقلبى يكرر الهتاف معهم، سألت أحدهم، وهو يناول البائع خمسة وعشرين قرشًا ويأخذ حزمة»، «ما اسمك يا حبيبى؟»، أجاب: «محمود»، عاودت السؤال: ابن مَنْ؟ أجاب: ابن أحمد العجلاتى واشترى له الرعرع لأنه مريض، تركت الصبية، واتجهت إلى المنزل، فتحت كتاب: «مقدمة فى الفولكلور القبطى»، للصديق عصام ستاتى. حيث يفسر الكتاب هذه الظاهرة بالقول: «التسمية تعتمد على الاعتماد الشعبى السائد بأن أيوب اغتسل مدلكًا جسده بنبات أخضر، يسمى الرعرع، فشفى من أمراضه، وكان ذلك فى يوم الأربعاء هذا فنسب له، وهو ما يعرف لدى الجماعة الشعبية بقصة أيوب المصرى، والذى جمعها زكريا الحجاوى، وقدمتها خضرة محمد خضر بصوتها على الإيقاع المعروف بإيقاع أيوب، واعتادت مجتمعات البحث خاصةً الريفية، الاحتفال بهذا اليوم بالاغتسال والتدليك، بنبات الرعرع، وأيضًا يقوم بعض الشباب بالاغتسال بـ«غطس»، «فى النيل، ويقوم البعض الآخر بغسل وجهه فقط، وباستخدام الأعشاب الخضراء الموجودة على الشاطئ، أما الأغلبية من الناس فيغتسلون فى المنزل، مستخدمين نبات الرعرع أو النعناع، أحيانًا يوضع فى الماء المستخدم فى الاغتسال، ولابد أن يرش ماء الاغتسال داخل المنزل، خاصةً أمام الأبواب، مستخدمين فى ذلك فروع النبات الأخضر تغمس (تغطس) فى الماء ويذبل بها». وقد ارتبط هذا اليوم ونسب إلى أيوب النبى، وهناك وجهتا نظر لتفسير هذا الارتباط، إحداهما تمثل وجهة النظر الدينية، حيث تقرأ فى الصلوات الكنسية التى تقام فى مساء هذا اليوم قصة أيوب البار، كما ذكرها العهد القديم (التوراة)، وترمز قصة هذا البار إلى السيد المسيح، فى الآلام والتجارب، وأيضًا فى النهاية السعيدة، لذا ينسب هذا اليوم له فيُقال أربعاء أيوب، وتحرص الجماعات القبطية على أداء هذه الممارسة وتمسكهم بها، ولعل ذلك يرجع إلى إحساسهم بمشاركة أيوب أفراحه بالشفاء بعد طول مرض أو كأنهم بهذا الاغتسال، وبهذا العشب يطلبون الشفاء من أمراضهم، واستكمال الصحة الجيدة، كما حدث مع أيوب، وهنا ليس شفاء جسديًا فقط، بل شفاء معنوى، شفاء بمعنى التخلص، ليس من المرض، ولكن من الذنوب، ولعل استخدام رموز لها مكانتها الشعبية يدعم هذا الاعتقاد ويقويه. كما أنهم لا يتخلصون من الماء بسهولة، فهو يرش فى المنزل، ليبق أطول فترة ممكنة فيه طلب، لقوته وفاعليته الصحية والمنوية.
وحسب كتاب «أغرب الأعياد وأعجب الاحتفالات»، و«أعياد مصر بين الماضى والحاضر»، يرجح كثير من المؤرخين أن الاحتفال بشم النسيم بدأ قبل عهد الأسرات، ويؤكد البعض أنه بدأ فى أواخر الأسرة الثالثة، حيث كانت ترمز البيضة إلى عودة الحياة إلى الجماد، الأمر الذى يشبه عودة الربيع، وتفتح الأزهار بعد فصل الشتاء. وكانت البيضة مقدسة، إلى الدرجة التى وضع لها المصريون إلها، فكان يطلق على هذا الإله «بتاح»، وهو يرمز إلى الخلق، وهو على شكل بيضة، لذلك اخترع المصريون طريقة لنقش الأمنيات على البيض، ووضعها فى سلال سعف النخيل، ويتم وضعها على شرفات المنازل، أو فى أغصان الأشجار، لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم، وفيما بعد، استبدل المصريون كتابه الأمنيات بتلوين البيض، واليوم أسجل أمنيتى بأن يحفظ الله مصر وتنتشر المحبة والسلام.