أكثر ما لفت انتباهي في نتائج مسابقة "اقرأ" البحثية التي نظمتها جامعة القاهرة للطلاب والباحثين في الجامعات المصرية، أن احدا لم يتقدم بأية بحوث لقراءة وتحليل كتابين مهمين أثارا الجدل في الرأي العام المصري والعربي، وهما "أبي آدم" للدكتور عبد الصبور شاهين، و"الفريضة الغائبة" للدكتور فرج فودة.
أما الكتاب الأول "أبي آدم: قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة" الذي ألفه الدكتور عبد الصبور شاهين (ت2010) فقد أثار ضجة عند صدوره عام 1998، ورفعت أربع قضايا على مؤلفه مطالبين بمصادرته ومنعه لما جاء فيه من نظرية يقول فيها المؤلف: "إن الحياة على هذه الأرض قد سبقت خلق الإنسان بآماد طويلة وأن الإنسان الذي كرمه الله وأمر الملائكة بالسجود له، هو امتداد لمخلوق اسمه البشر أي أن آدم ليس هو أول البشر فهو يرى بأن آدم هو امتداد لسلالة بشرية ضاربة في القدم، ولكنها لم تكن تملك العقل ولم ينفخ الله سبحانه وتعالى فيها من روحه وأن هذه الفصيلة البشرية أخذت تتطور مع مرور الزمن حتى اكتمل تطورها فبدأ خلق آخر وهو "الإنسان" الذي هو امتداد لفصيلة البشر، ولكنه يختلف عنها بأنه يملك العقل، فكان آدم عليه السلام هو أول "إنسان". وقد وصف الداعية السلفي الشيخ محمد حسان هذا الكتاب بأنه "قميئ وخطير وذل فيه الدكتور شاهين ذلة عظيمة لأنه يخالف صريح القرآن". والغريب أن شاهين نفسه ذاق من نفس الكأس الذي أذاقه للدكتور نصر حامد أبو زيد، عندما كتب تقريرا عن إنتاج أبي زيد العلمي بصفته رئيس اللجنة الدائمة لترقيات أعضاء هيئة التدريس، اتهمه فيه بالردة وتسبب في صدور حكم بالتفريق بينه وبين زوجته وتسبب في هجرته خارج مصر حتى وفاته عام 2010.
أما الكتاب الثاني، الفريضة الغائبة للدكتور فرج فودة ( ت1992)، وهو بالإضافة إلى مناظرته التيارات الإسلامية في معرض القاهرة الدولي الكتاب (1992)، يعتبر أحد الكتب التي تسببت في تكفير واغتيال فرج فودة من قبل الجماعة الإسلامية، رغم أن المؤلف يناقش بالحجج والبراهين العقلية دعاوى جماعات الإسلام السياسي في إقامة الدولة الدينية عن طريق تطبيق الشريعة وعودة الخلافة، مفندا زيف ووهم ادعاءات تلك الجماعات لتبرير قتل أهل القبلة (حادثة الخليفة عثمان بن عفان نموذجا) مقدما قراءة تاريخية تحليلية نقدية لعصور الخلفاء الراشدين وما تلاهم من خلافة أموية وعباسية، وأن الحدود والتطبيق الفوري للشريعة، لن يتضمن حل كل مشاكل المجتمع كما تدعي تلك الجماعات.
وبناء على ما سبق، يتضح لنا أهمية الكتابين السابقين ومخاطبتهما العقل ومحاولة الاجتهاد في فهم التراث الديني، ولكن لماذا انصرف الطلاب والباحثون في جامعاتنا عن قراءة الكتابين، هل سلفية المجتمع هي السبب أو التأثيرات والتراكمات والانطباعات الأولى عن أن الكتابين ومؤلفيهما مثيرين للجدل، إذا فلماذا قدم نفس الطلاب والباحثين قراءات في رواية أولاد حارتنا الممنوع تداولها لأديب نوبل نجيب محفوظ، أقول لك: إن القراءات كانت متحفظة وسماعية متأثرة بالجدل الديني حول الرواية، والانطباع الأول بأنها مقتبسة من قصص الأنبياء، والزعم بفسادها من الناحية الإسلامية وأنها نهاية عصر مراهقة الرواية العربية.
إن القضية ليست مسابقة تقوم فلسفتها كما ذكر القائمون عليها من واقع "مسايرة وثيقة جامعة القاهرة للتنوير وتأكيد هوية مصر الثقافية"، لكن الأهم في نظري: هل نجحت جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية والدينية في تدريب الطلاب على القراءة النقدية حقا؟ وهل نجحت في سحب الغطاء الشرعي عن الجماعات الرجعية وأن مقولاتها مخالفة لمقاصد الإسلام الحقيقية؟