لا يحتاج المراقب الى الكثير من النظر ليتأكد أن التحركات التركية فى المنطقة أصبحت عنوانا للتخريب والحروب بالوكالة، وخلال 9 سنوات كانت نتائج التحرك التركى فى سوريا دعما لكل عناصر الانفصال، والحرب الأهلية، ونشر التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة، وكانت تركيا ممرا لدخول وخروج وعلاج الإرهابيين من داعش والقاعدة، وبالتالى فإن مزاعم تركيا أنها تتدخل من أجل الشعب الليبى ترد عليها السوابق التركية فى سوريا، حيث سعى أردوغان إلى سرقة النفط السورى بالاشتراك مع داعش والقاعدة، وربما لهذا خسر مصادر كبيرة بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية، وبدا يتحرك للبحث عن صيد جديد فى ليبيا يعوض ما فقده فى سوريا.
كانت مزاعم تركيا للتدخل فى سوريا هى حماية حدودها، بالرغم من ثبوت زيف هذه التحركات، لأنها صنعت صراعا وأساهمت فى إشعال حرب أهلية وقيام داعش وأنتجت ملايين اللاجئين السوريين، لكن من علامات التدليس التركى والإخوانى، هو الاعتراض على سعى مصر لحماية حدودها وأمنها القومى، الذى يتعرض للتهديد من قبل ميليشيات إخوانية وتنظيمات إرهابية متعددة استقرت فى ليبيا منذ سقوط نظام القذافى.
على العكس فإن الدولة المصرية منذ بداية الأزمة الليبية تأكيد الحرص على مصالح ووحدة الشعب الليبيى وسيطرته على ثرواته وحدوده، بالشكل الذى يستلزم إعادة بناء مؤسسات قوية تفرد إرادة الشعب الليببى.
كان الموقف المصرى ثابتا من 2011 مع الحل السياسى ووحدة الليبيين واستبعاد الميليشيات والمرتزقة الذين تم جلبهم إلى ليبيا بعد سقوط النظام، بل إن القاهرة دعمت جولات الحوار بين الأطراف الليبية فى القاهرة وغيرها، وأخيرا قدمت مبادرة لوقف إطلاق النار والعودة إلى مسار سياسى واضح بعيدا عن المطامع والتدخلات الخارجية، وهو سياق يتعارض مع الأطماع التركية حيث سعى أردوغان إلى دفع بعض الأطراف إلى الابتعاد عن الحل السياسى والانخراط فى صراع لا يمكن أن يحسمه القتال، لأن وحدة الليبيين تتعارض مع مصالح ميليشيات إرهابية لا يمكن أن تجد لها مكانا فى ظل دولة قوية موحدة.
ظلت الأراضى الليبية خلال السنوات منذ سقوط النظام مجالا لعمل الميليشيات الإرهابية من داعش والقاعدة وتوابعهما، فضلا عن تنظيم الإخوان المعروف بتبعيته لتركيا، ولا يمانع الإخوان من تقسيم ليبيا بالاتفاق مع الرئيس التركى رجب أردوغان، ولهذا يتبنون موقف التدليس التركى علنا، وينحازون ضد بلادهم، استنادا إلى تراث من التبعية والتعاون مع المستعمرين، وتكفى نظرة على مواقف أعضاء الإخوان الهاربين والمتجنسين تركيا تكشف أنهم ذهبوا فى طريق مساندىة أى مشروعات ضد مصر إلى أبعد مدى.
وفى ليبيا خسر الإخوان الانتخابات البرلمانية وراهنوا على التركى، وتحالفوا مع الميليشيات، طمعا فى الفوز بنصيب وسط الفوضى، ومن هنا التقت إرادة اردوغان مع الإخوان فى استمرار الفوضى وعرقلة أى مشروع لتوحيد ليبيا.
كانت سياسة مصر واضحة من حيث دعم وحدة الأراضى والمؤسسات الليبية والدفع نحو امتلاك الليبيين إرادتهم، ولم تتدخل مصر إلا عندما تحولت بعض المناطق الليبية إلى بؤر إرهابية تخطط لعمليات تستهدف مصر . تدخلت مصر فى مايو 2017 بعد إبلاغ مجلس الأمن لقصف تجمعات التنظيمات الإرهابية فى درنة بشرق ليبيا عندما تحولت إلى بؤرة لتخطيط الإرهاب ضد مصر واعتدت على المواطنين المصريين. تحركت مصر بناء على حق الدفاع الشرعى الذى تضمنه مواد ميثاق الأمم المتحدة، ولا يمكن أن تسمح بعودة سرت والجفرة لتتحول إلى بؤر إرهابية تهدد أمنها القومى ومواطنيها ومن هنا كانت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى الحاسمة فيما يتعلق بأمن مصر القومى. وبينما يحاول الفريق الأردوغانى وتوابعه من «الإخوان المتتركين» الزعم بأن مصر تدعو للحرب، يعلمون جيدا أن القاهرة واضحة تماما فى التأكيد على طرح مبادرة لإنهاء الصراع والعودة للمسار السياسى، وفى نفس الوقت رفض وجود الميليشيات والتنظيمات الإرهابية أو القوى الخارجية. وهى رسالة واضحة، سوف تترجمها التحركات فى الأيام المقبلة.