كيف نعيد حقوق قتلانا فى الخارج؟.. على مدى أسبوع، شاهدنا ثلاث ضحايا مصريين لحوادث فى الخارج لم يتم التوصل إلى الجناة فيها حتى الآن، ففى العاصمة البريطانية لندن وجد الشاب شريف حبيب ميخائيل محترقًا داخل جراج للسيارات، وبعدها بيومين عثر حارس أمن بمكتب عقارات على جثة المواطن المصرى محمد عادل رشدى بولاية أنديانا الأمريكية بجوار حاوية نفايات، وقيل إن سبب الوفاة هو إسفكسيا الخنق، ومنذ عدة أيام قالت وزارة الخارجية إن السفارة المصرية فى روما تلقت إخطارًا بالعثور على جثمان المواطن محمد باهر صبحى إبراهيم ملقاة على شريط القطار فى مدينة نابولى الإيطالية، مساء السبت الماضى مع وجود مظاهر أولية لضرب على الرأس والفك.
الحالات الثلاث حدثت بعد الضجة الغربية على مصر فى أعقاب العثور على جثمان الباحث الإيطالى جوليو ريجينى على الطريق الصحراوى بالجيزة، دون التوصل إلى مرتكب الجريمة حتى الآن، وهو ما دفع إيطاليا إلى التصعيد ضد مصر، واستدعاء سفيرها من القاهرة، والتواصل مع بقية الدول الأوروبية للضغط على الحكومة المصرية لسرعة تسليم المتهمين المتورطين فى قضية مقتل «ريجينى»، وفى خلفية هذه الضغوطات والتصعيد الإيطالى وجود يقين لدى الإيطاليين بأن الشرطة المصرية هى المتورطة فى مقتل ريجينى، وليس هناك اتجاه لتصديق رواية أخرى غير تلك.
بالتأكيد كانت هناك مسارعة من جانب عدد من المصريين فى اتجاه تصعيد قضايا المقتولين المصريين فى الدول الثلاث، لمضايقة الأوروبيين وإحراجهم أيضًا، بمنطق أن هناك جرائم قتل لمصريين ارتكبت على أراضيكم دون أن تتمكنوا من التوصل للجناة، فلماذا تضغطون علينا لتسليم قتلة «ريجينى»، رغم أن مصر لم تتوصل لهم حتى الآن.
يبدو هذا المنطق مقبولاً لدى قطاع ليس بقليل من المصريين الذين نظروا لتفاعلات قضية «ريجينى» على أنها جزء من مخطط محاصرة مصر خارجيًا، أخذًا فى الاعتبار أن التعامل الإيطالى الرسمى مع القضية رسخ فكرة المؤامرة لدى كثيرين، خاصة أن القاهرة أبدت تعاونًا مقبولًا مع سلطات التحقيق الإيطالية التى لم ترضَ بما قدم لها، وطلبت المزيد، ومع المطالبة زادت الضغوطات.
منطق المؤامرة قد يكون مدخلاً بالفعل لمضايقة الغرب من خلال رفع سقف المطالب فى قضية القتلى المصريين الثلاثة فى بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا، لكن هذا المنطق يبدو مقبولاً فى ظرف وقتى، لكنه يجب أن يكون قاعدة تسير عليها الدولة فى كل الحالات المماثلة مستقبلاً، حتى فى حال التوصل لقتلة «ريجينى»، وغلق ملف القضية مع السلطات الإيطالية، بمعنى أننى أريد أن تتحول قضية الاهتمام الرسمى والشعبى المصرى من قضية وقتية وظرف مرتبط بواقعة «ريجينى» إلى منهج وسياسة للدولة للاهتمام بالمصريين فى الخارج، دون ربط ذلك بحادث أو واقعة معينة نقايض بها الخارج، وبمعنى أيضًا أن يكون الضغط على الدول التى تستضيف جاليات مصرية مستمرًا، لكى نعيد للمصريين فى الخارج حقوقهم وكرامتهم، وألا يكون أى تصعيد مرتبطًا بقضية مثل «ريجينى» أو غيره.
كم كنت سعيدًا أن أرى اهتمامًا رئاسيًا بقضايا المصريين الثلاثة، وصدور بيان من رئاسة الجمهورية يؤكد متابعة التحقيقات عن كثب، والتأكيد أيضًا أن الدولة المصرية تولى عميق الاهتمام للحفاظ على حياة جميع مواطنيها، سواء من المقيمين على أرض الوطن أو فى الخارج، لكن سعادتى ستزداد حينما أرى الاهتمام الرئاسى متواصلًا مع كل الحالات المشابهة، ولدى يقين بأن هناك بالفعل اهتمامًا وتعليمات قوية مباشرة لوزارة الخارجية ولسفاراتنا بالخارج بعدم التقاعس عن متابعة ما يتعرض له المصريون فى الخارج من مضايقات حتى تعود للمصريين حقوقهم.
وهنا يقع الأمر على عاتق الخارجية وسفاراتنا بالخارج أن يكونوا أمناء فى أداء مهامهم، ويكونوا صادقين فى أداء الرسالة المكلفين بها، ولدى يقين أيضًا بأنهم قادرون على ذلك، بما تملكه الخارجية من كفاءات دبلوماسية، لكن الأهم أن تكون لديهم الرغبة فى تحقيق ذلك، وسرعة التفاعل مع قضايا ومشاكل المصريين فى الخارج، دون انتظار لتكليفات رئاسية، أو اهتمام شعبى أو ضغوط تتعرض لها مصر من بعض الدول.