مستشفيات الحميات، هذا الاسم كان يعنى الكثير من الثقة خلال الستينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين، فقد ظلت هذه المستشفيات نموذجا للنظام والانضباط، والمهنية، وكان المصريون فى الريف والمدن يلجأون لمستشفيات الحميات كثيرا، وكانت هذه المستشفيات تضم تخصصات مهمة وكفاءات عالية تكون قادرة غالبا على علاج الحالات الصعبة من الحميات، لكن مع الوقت تراجعت هذه المستشفيات حتى تعرضت إلى ما يشبه مذبحة، حيث تم تقليصها وإلحاق بعضها بالمستشفيات العامة والمركزية، خلال الفترة من 2005 حتى 2011.
لكن عادت مستشفيات الحميات للواجهة من أزمة فيروس كورونا، مع المستشفيات العامة والمركزية، والواقع أن مستشفيات الحميات تعرضت قبل خمسة عشر عاما لما يشبه جريمة متعمدة أطاحت بمستشفيات ظلت طوال عقود تقوم بدور خطير فى مواجهة الحميات والأمراض الفيروسية والخطرة.
مع تصاعد أزمة كورونا ظهرت فى الصورة دور مستشفيات الحميات، وأعلنت وزارة الصحة تجهيز 47 مستشفى بجميع المحافظات لفرز الحالات المرضية المشتبه فى إصابتها بفيروس كورونا المستجد، على أن تقوم بمطابقة تعريف الحالة وأخذ المسحات وتقديم الرعاية الطبية وفقاً للبروتوكول العلاجى المحدث.
وهذه المستشفيات تبلغ طاقتها الاستيعابية 4258 سريرا من بينها 227 سرير رعاية مركزة، تم إعدادها لتصبح مستشفيات عزل بشكل تدريجى تقدم كافة الخدمات الطبية.
الواقع أن مستشفيات الحميات لا تعالج فقط مرضى كورونا مع مستشفيات العزل، لكنها تقوم بدورها الطبيعى فى استقبال وكشف وعلاج مرضى الحميات الأخرى مثل الحمى الصفراء، والحمى الفيروسية، وحمى الضنك، وحمى التيفوئيد، والملاريا، والقش، والحمى القرمزية، والأنفلونزا الموسمية، وأنفلونزا الخنازير والطيور، وكانت مستشفيات الحميات هى البطل الرئيسى فى مواجهة أنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها.
لكن الواقع أن هذه المستشفيات تقلصت أعدادها بقرارات عشوائية من وزير صحة أسبق، ضمنن قرارات أخرى أطاحت بالكثير من المؤسسات الطبية المهمة فى مصر، مثل معامل المصل واللقاح وفاكسيرا وغيرها.
فقد حرصت الدولة فى مصر منذ الخمسينيات على دعم إنشاء مستشفيات الحميات فى أنحاء مصر، وكانت هذه المستشفيات تتولى علاج الأمراض المتوطنة، والحميات، ووصلت إلى 106 مستشفيات حتى عام 2007، تعالج أكثر من 40 مرضا مُعديا.
لكن وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلى الذى تولى الوزارة ما بين عامى 2005 وحتى يناير 2011، ألغى مستشفيات الحُميات وحول أغلبها إلى أقسام داخل المستشفيات العامة والمركزية، وأبقى على عدد منها مثل مستشفى حميات العباسية وإمبابة و47 مستشفى على مستوى المحافظات.
ومع ظهور أنفلونزا الطيور والخنازير ظهرت خطورة قرارات الوزير الأسبق، خاصة أن الفترة شهدت ظهور العديد من الأمراض الوبائية جرت محاولات لإعادة مستشفيات الحميات، لكنها توزعت فى تبعيتها بين الطب الوقائى والطب العلاجى 43 مستشفى حميات مستقلة، و67 قسم حميات بالمستشفيات العامة والمركزية.
خلال أزمة كورونا عادت مستشفيات الحميات للواجهة، وظهر مدى الخطأ الذى تم بتقليص المستشفيات الحميات، بينما كانت مستشفيات الحميات القائمة صامدة مع مستشفيات العزل وغيرها، لتعود إلى الواجهة أهمية إعادة النظر فى مستشفيات الحميات.
وهى مستشفيات لم تكن مجرد مستشفيات عادية لكنها كانت تحظى برعاية وتتميز بنظافتها وتضم تخصصات أمراض المناطق الحارة والحميات التى تستدعى دراسات وتعليم مستمر وتطور مهنى وبحثى، وكانت بالفعل مجالا لأبحاث ودراسات مستمرة ساهمت فى تطوير النظام الطبى بمصر.
ونظن أن أزمة فيروس كورونا يفترض أن تدفع الدولة إلى إعادة بحث كيفية إحياء مستشفيات الحميات، خاصة مع مبادرات الرئيس المتعددة للصحة، خاصة أن قرار تقليص هذه المستشفيات لم يكن موفقا تماما مثل قرارات أضرت بمنظومة المصل واللقاح والأبحاث الدوائية وغيرها، والتى تراجعت على مدى عقود ونظن أن إعادة مستشفيات الحميات والتوسع فيها يتماشى مع توجه الدولة والرئيس للرعاية الصحية، ويمكنها القيام بدور فاعل فى مواجهة الأمراض الوبائية والفيروسية كورونا وغيرها.