ست سنوات مرت على رحيل الدكتور محمود عزب(ت2014) أستاذ الحضارة الإسلامية واللغات السامية بجامعة السوربون بباريس، ومستشار شيخ الأزهر السابق للحوار بين الأديان، ولا تزال إسهاماته حاضرة في عقل ووجدان كل دعاة الحوار والتعايش الديني. وعندما التقيته لآخر مرة في العاصمة البحرينية المنامة ضمن وفد الدبلوماسية الشعبية(23ديسمبر2013)، الذي قدم الشكر لمملكة البحرين- حكومة وشعبا، لوقوفهم مع ثورة الشعب المصري في 30 يونيه، وقد دار بيننا حديث طويل- حيث كنت أعمل مستشارا لمجلس النواب البحريني، حول الأصدقاء المشتركين بيننا ومنهم الراحل الدكتور سعيد اللاوندي، ومعركة تفسير جاك بيرك للقرآن، وكانت آخر أمنيات محمود عزب أن يُدَرِّسُ فِقْه الحِوَار في المدارس والجامعات كمادة مستقلة، ليكون الحوار من الأسرة وفي المدرسة والشارع وفي كل معاملاتنا الإنسانية أسلوب حياة.
وبعد ذلك اللقاء بشهور قليلة في 5 مايو 2014، حضر وفد من الأزهر برئاسة الإمام الأكبر إلى البحرين، للمشاركة في مؤتمر حوار الحضارات، وتعجبت عن سر غياب الدكتور محمود عزب، لنفاجأ جميعا من أصدقائه ومحبيه برحيله في 29 يونية 2014.
رغم قلة إنتاج عزب من كتب ودراسات ومقالات، لانشغاله بالجانب العملي أكثر من التنظيري، إلا أنه ترك لنا إسهامات مميزة منذ أول دراسة له عام 1986 بجامعة السوربون بعنون"لغة القرآن ولغة التوراة (دراسة مقارنة)، كما قدم رؤية مستنيرة لقراءة النص القرآنى فى كتابيه"ملامح التنوير في مناهج التفسير"( 2006)، و "إشكاليات ترجمة معاني القرآن الكريم: اللغة والمعنى" (2010)، وكتب تصديرا مطولا لكتاب الأب الدكتور جوزيبى سكاتولين "تأملات فى التصوف والحوار الديني" (2013)، حول منهج الأزهر للحوار، و التصوف كمدخل للحوار الديني.وشارك مع الدكتور على السمان ورجال دين يهود ومسيحيين فى تحرير كتاب "ثلاث نوافذ تطل على السماء" (2015).
عمل محمود عزب منذ عام 2010 وحتى وفاته عام 2014 مستشارا لشيخ الأزهر لشؤون حوار الأديان، لكونه متعمقا في معرفة نصوص الأديان الإبراهيمية الأصليّة، وأسهم في تأسيس مركز الأزهر العالمي للحوار ومؤسسة بيت العائلة المصرية.
تقوم رؤية محمود عزب على "أن الأديان كلها عندما تفهم فهما صحيحا وعميقا، وتتضح روحها الداخلية الحقيقية لدى أهل الفكر والعقل، نجدها تتلاقى على مبادىء الحوار، وتتجنب العنف والصدامات الوحشية بين أصحاب كل دين وملة".
ويعتقد محمود عزب أن مستويات الحوار الدينى فى مصر كما مارسها الأزهر الشريف، تقوم على أسس ثابتة، فهناك الحوار الداخلى أولا داخل الوطن الواحد، حيث المشاركة المباشرة فى الحوار بين أهل الوطن المتنوعين فى الدين والمذهب والفكر والعقيدة والثقافة والرؤى، ثم هناك حوار داخل الدين الواحد فى الوطن وخارجه، وعلى مستوى العالم كله، بين أهل المذاهب التى يقرها الإسلام ويعترف بها المسلمون فيما بينهم، ثم الحوار بين أهل الأديان المتنوعة وبين أهل أديان التوحيد السماوية على وجه الخصوص، على اختلاف المذاهب بينهم، ثم يأتى الحوار مع أهل بقية الأديان وبقية الحضارات الإنسانية.
يرى محمود عزب أن هناك مبادىء للحوار، من واقع الممارسة العملية ومنها:
-الاحترام المتبادل والاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات.
-وجود الحد المناسب من المعرفة بالآخر وفكره وثقافته.
-الاعتراف بنسبية الآراء والأفكار وعدم ادعاء تملك الحقيقة المطلقة الكاملة وأن كلا نها اجتهاد فى الفهم والإدراك.
-الشفافية فى عرض الآراء والأفكار والصدق والرغبة فى الوصول إلى التوافق حول المشترك من القيم.
-تحديد موضوعات الحوار، وتعريف المصطلحات والمفردات المستخدمة فيه.
-الاتفاق من البداية على تفعيل ما يتفق عليه عندما يتم حسمه وعلى تحقيقه على أرض الواقع، وأن يسهم الجميع فى العمل على تأكيده وترسيخه لخير الجميع.
رحم الله الدكتور محمود عزب، وأدعو القائمين على المناهج الدراسية في مدارسنا وجامعاتنا العربية والإسلامية، تحقيق أمنيته الأخيرة بتدريس فقه الحوار في زمن غابت فيه لغة الحوار .