لم تدخل نقابة الصحفيين فى تاريخها معركة ضد أى مؤسسة فى الدولة لأنها تريد معركة فى حد ذاتها، وإنما يتم فرض المعارك عليها.
يحكى أحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات» أنه وقت أن كان نقيبا للصحفيين بعد نكسة 5 يونيو 1967 تقدم مجلس النقابة باحتجاجين مكتوبين إلى الرئيس جمال عبدالناصر، الأول يتضمن احتجاجا مكتوبا على فرض الرقابة على الصحف، واستشهدنا بأن مصر خاضت حرب 1956 دون رقابة على الصحف، والاحتجاج الثانى كان حول انفراد صحيفة الأهرام بالأخبار السياسية عبر رئيس تحريرها محمد حسنين هيكل، ورفعت النقابة مذكرة حول ذلك ذكرت فيها: «أن هناك نوعا من الأخبار يجوز فيه السبق الصحفى، وانفراد صحيفة دون غيرها، ولكن هناك نوعا آخر من الأخبار يتعلق بالمصالح القومية العليا فى هذه الظروف الحساسة، وأن رئيس الدولة إذ يخص بهذه الأخبار جريدة دون أخرى فكأنما هو يميز بين المواطنين الذين يقرأون هذه الجريدة أو غيرها»، ويذكر «بهاء» أن الرئيس عبدالناصر قرأ المذكرتين، وأبلغه أنه يوافق على ما فى كل واحدة، ولكنها ظروف طارئة يرجو أن تتغير بسرعة.
ومع الرئيس السادات صمم على أن يحول نقابة الصحفيين إلى ناد، فيما يعنى هدم كيان النقابة كجهة تحمى حقوق الصحفيين، وخاض كامل زهيرى نقيب الصحفيين معركته الخالدة ضد السادات، وانتصر الصحفيون فى معركتهم، وظل اسم كامل زهيرى مقرونا بهذه المعركة الخالدة، ولم يخدشه حشد الدولة لأجهزتها لإسقاطه فى الانتخابات التى خاضها فيما بعد نقيبا للصحفيين.
وفى عهد مبارك، كانت المعركة الخالدة عام 1995 لإسقاط القانون 93، والذى فوجئ الصحفيون بإصداره من مجلس الشعب فى جلسة مسائية كنت أحد شهودها كصحفى يتابع أعمال المجلس، وفوجئ الجميع بالقانون الذى فصله «ترزية القوانين» فى سرية تامة، وتم إدخاله إلى البرلمان لمناقشته دون أن يكون على جدول أعمال المجلس، وشاهدت ليلتها كيف قاد الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس ومعه كمال الشاذلى زعيم الأغلبية «الحزب الوطنى» سلق المناقشات فى غياب أكثر من نصف الأعضاء، والتى لم تستمر أكثر من ساعة، بدءا من اليوم التالى دارت العجلة، واحتشد الصحفيون فى معركة خالدة استمرت شهورا حتى تم إسقاط هذا القانون المشبوه، ومما يجب ذكره حول هذه المعركة الخالدة، أننا كنا نذهب للمشاركة فى الجمعية العمومية للنقابة دون أن يمنعنا أحد من رجال الأمن، ولم يتحرش البلطجية بأى صحفى، كان الكل يذهب ليشارك فى معركته ويعود إلى بيته بكل أمان.
وهانحن الآن أمام المعركة الدائرة بسبب اقتحام قوات الأمن لمبنى النقابة، والتى أدت إلى انتفاضة الصحفيين للدفاع عن نقابتهم، واجتمعوا بالآلاف فى حشد يوم الأربعاء الماضى ليعلنوا رفضهم لما حدث، مطالبين باستقالة وزير الداخلية، وحدث ذلك رغم التضييق الأمنى، وحشود البلطجية التى حاصرت مبنى النقابة، ورغم كل الجهود التى بذلها بعض الصحفيين لشق وحدة الصف الصحفى.
لم تخرج المعركة الحالية من دائرة المعارك التاريخية السابقة، من حيث أن السلطة السياسية هى التى تفرضها على الجماعة الصحفية فرضا، فلا الصحفيون يريدون مكاسب مادية يضعونها فى جيوبهم، ولا هم على رأسهم ريشة أو فوق القانون كما يروج المغرضون، ولا يريدون استثناءات فى شىء، هم أكثر الناس حرصا على تطبيق القانون، وأكثر الناس حرصا على تطبيق العدالة، وأكثر الناس وعيا بطبيعة الظروف الإقليمية، وكانت الشعارات التى رددها الآلاف يوم الأربعاء الماضى خير شاهد، فجميعها كانت أكثر حرصا على كيان الدولة ومؤسساتها.