يعلم من يتابع التطورات العالمية أن ثورة الثلاثين من يونيو، التى مزٓقت كما سبق وكتبت، مشروع الشرق الأوسط الكبير، تشكل لغزا محيرا كما يستعصى تفسير قوتها على أعتى المراكز التكنولوجية والبحثية فى العالم.. فالدارج بين القوى العالمية أن يكون لكل سلاح، سلاح مضاد لاستخدامه فى معركة السيطرة على الخصم.
وفى الثلاثين من يونيو عام 2013 خرج ما بين 35 و40 مليون مصرى، فى نفس التوقيت، بما يشبه المعجزة، لتمزيق مخطط التفتيت الذى كان الأعداء بمختلف توجهاتهم ينتظرون تنفيذه بمساعدة تنظيم الاخوان الإرهابى، والذى اتضحت بعض معالمه إبان حكم الجماعة التى كان شعارها الواضح والمعلن بلا أى حياء، الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين!!!..
توهم أعداء الداخل والخارج أن المؤامرة الخسيسة قد اقتربت نهايتها وأنها وصلت إلى فصلها الأخير، بتحقيق تفتيت مصر إلى عدة دويلات كما كشف وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، عندما قال إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل فى المنطقة العربية، هو تفتيت المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية، وقد نعته، بحق، فى حينه، الراحل الكبير أحمد بهاء الدين، بالصهيونى الحقير.. لكن كيسنجر وأمثاله لم يتصوروا لحظة أن تلك المؤامرة الكونية تقريبا، سوف تصطدم بسلاح مصرى حصرى، لم يجد الأعداء سلاحا مضادا له، فهو سلاح كامن فى الجينات المصرية، يستعصى على كافة الأعداء، إذ يستحيل أن يتنبأ أحد بتوقيت وظروف لجوء المصريين إليه.
فكيف بالله، يخرج عشرات الملايين فى ذات اللحظة وبدون دعوة أو قائد، ليشكلوا سدا منيعا بسلاح الإرادة الوطنية الذى انفردوا به ولا تقدر عليه حتى القنبلة النووية.
فى الثلاثين من يونيو نزلنا إلى الشارع نعلن بأعلى صوت أنه لم يوجد بعد، ولن يوجد، من يمكنه تفتيت وطننا، فجر التاريخ وفجر الضمير، بل نحن الذين اصطفينا قائدنا، بقلوبنا وضميرنا الوطنى، وطالبناه بتولى قيادة السفينة إلى بر الأمان وهتفنا من أعماق الوجدان: نعم، السيسى رئيسي.. عجز الأعداء عن مواجهة سلاح مصرى صميم، لا مثيل له، ونزل عليهم نزول الصاعقة، ومعروف أن صمود مصر وتصديها لمخطط التفتيت قد أدى إلى تعديل المسار فى عدة أقطار كانت ضحية المؤامرة بأدوات الأعداء، لا سيما تلك المتدثرة بعباءة الإسلام، بينما ساد الخراب والدمار فى كل بقعة أرض عربية وصلوا إليها.
واللافت للانتباه أن شهر يونيو بات علامة بارزة فى التاريخ المصرى، فلا ينسى أحد، كيف فاجأ المصريون جحافل المعتدين فى يونيو 67، والذين كانت لافتتهم الظاهرة هى إسرائيل، حيث توقفوا عن شرب الخمر «نخب إقصاء جمال عبدالناصر!»، عندما نزل الملايين إلى الشارع يرفضون مساء التاسع من يونيو، قرار الزعيم الخالد بالتنحى وأكدوا عزمهم على مواصلة النضال، ولولا مساء التاسع من يونيو ما كانت هناك حرب الاستنزاف وبالتالى ما تحقق العبور العظيم.
وعندما كنت أعمل فى باريس قرأت كثيرا عن حيرة الأمريكان وحلفائهم فى تفسير لغز ذلك المساء الذى انتصرنا فيه على أعتى المؤامرات وأكثرها وحشية ونذالة.. وهو ما يفسر، لطم خدود البعض، تأثرا بالهزيمة، والتى هزمها شعب مصر العظيم، حيث إن سبب حزنهم الحقيقى، هو انتصار الشعب وبدون سلاح وضعى، بل بسلاحه الربانى المتمثل فى ارتباطه الوثيق بأرضه.
سيبقى يونيو صاحب أعظم ثورة فى التاريخ لغزا محيرا للأعداء وثقة من المصريين بأن سلاحهم الحصرى، سيظل متفردا وعصيا على فك شفرته إلى يوم الدين.